تنفيذ الرؤية وتحقيقها أمر تكتنفه تحديات، ولعل أول تلك التحديات ما واجهته الرؤية عند طرحها، وبالقطع فإن يوم الإعلان عن الرؤية مَثل علامة فارقة في تاريخ التنمية الاقتصادية- الاجتماعية في المملكة العربية السعودية، إذ هناك ما يبرر للقول إن الرؤية لم تُشرح للمجتمع منهجيًا، فلو طرحنا سؤالًا بسيطًا ومباشرًا على عشرة مواطنين نختارهم عشوائيًا: ما هي الرؤية؟ فالاحتمال الوارد أننا قد نتلقى إجابات متفاوتة! لقد قُدمت الرؤية للمجتمع باحتفالية، ولا اعتراض على مبدأ الاحتفال بحدث مهم كالرؤية، عدا أن ما ضاع هو تشرح وتوضح «الرؤية» عمومًا وللفئات التي يعول عليها في نجاح وتنفيذ الرؤية. الاحتفال ونثر الإيجابية أمر مطلوب، ولكن لابد أن تُشرح الرؤية حتى تُفهم فوائدها، لاسيما أن هناك طريقًا وخيارات عديدة للانتقال من وضعنا الراهن إلى حيث نبتغي الوصول، فأي طريق سنختار. والأمر الثاني، ما آلية ومنهجية تطوير وتحسين وتنقيح «الرؤية السعودية 2030»؟ فهي بالتأكيد ليست محفورة في الصخر، فنسختها التي صدرت قبل عامٍ -بالضرورة- وضعت طبقا لافتراضات معينة وبيانات ومعلومات معينة، ومع مرور الوقت فإن تلك الافتراضات ستكون -بطبيعة الحال- بحاجة إلى مراجعة، بل أن الخبرة المكتسبة من تنفيذ الرؤية في سنتها الأولى لابد أنها أكسبتنا جميعا معرفة أكثر دقة بالواقع، مما يستوجب أن يستوعب في نسخة ثانية مُحسنة ومُنقحة من الرؤية، لتتوالى النسخ مع مرور السنوات، ليس بقصد «تغيير» الأهداف والتطلعات، بل بهدف تطويرها وجعلها أكثر استيعابًا للواقع وللبيئة المحيطة. أخذا بالاعتبار أن الوصول لتطلعات الرؤى الوطنية إجمالًا يتحسن مع إعادة البحث في مجال الحلول المتاحة، التي تتحسن مع إعادة الكرات وتوفر المزيد من المعلومات، فنبدأ في تخوم الحل وبالتدريج نصل إلى مجاله ثم إلى الحل! الأمر الثالث، ما الحاجة لبرنامج للتواصل؟ يمكن الجدل أن الانشغال باستعراض وثيقة الرؤية، والتركيز على تعديد أهدافها أكثر من تناول كيفية تحقيق تلك الأهداف، قد «ضخم» التوقعات، بعدم بيان أن الوصول لأهداف الرؤية سيأخذ وقتًا يمتد لسنوات، ويستوجب مكابدة وعملا جادا يتجسدان في تنفيذ خارطة طريق تشوبها تحديات وربما معوقات! ثم أن «إدارة التوقعات» ليست أمرًا عرضيًا، فطريقة عرض الرؤية وتوصيلها للمتلقي أدت -أزعم- لرفع مستوى التوقعات، رغم أننا كُلنا ندرك جميعا أن العام 2016، الذي أعلنت فيه الرؤية، كان عامًا صعبًا على اقتصادنا السعودي وعلى المالية العامة السعودية؛ باعتبار أن الميزانية العامة للدولة قد أقرت إطلاق برنامج إعادة هيكلة مالية (أو بتعبير أدق «لملمة مالية»fiscal consolidation) وينطوي على «شدٍ للحزام»، ففيه أعلن عن خفض الدعم الحكومي وعن قرب فرض ضريبة قيمة مضافة، ضمن أمور أخرى. ولا بأس من بث الأمل، إلا أن جرعة «التوقعات المرتفعة» التي صاحبت الإعلان عن الرؤية ابتداء، تعارضت مع موج عالٍ باتجاه معاكس تحمله تصريحاتٍ عن تدني الأداء! كيف نوائم بين توقعات عالية من جهةٍ ونحن بحاجة إلى خطاب موضوعي خالٍ من الايهام ومن التوجس، خطاب قائم على معطيات محددة يدفعنا للأمام، إلى حيث الرؤية وأهدافها العالية وتحدياتها الحقيقية. إذاً، نحن بحاجة لتوضيح خارطة الطريق لتنفيذ الرؤية، ولتوضيح أننا بصدد إنجاز طموح تاريخي، وأن أولى السنوات قد تكون صعبة. وأن تنفيذ الرؤية ليس نزهة.