إن مسألة الأمن الديني أصبحت من المسائل الشائكة؛ الممكنة والمستحيلة في بعض الأحيان، ولا شك في أن ثورة المعلومات الحديثة التي تمثلت في استخدام الملايين لشبكة الإنترنت، جعلت العالم أشبه بالقرية الصغيرة، وسهَّلت التواصل والتعارف بين البشر من شتى الجنسيات والأديان، واختصرت السنين في ثوانٍ معدودة، وجعلت الاستزادة من المعلومة بضغطة زر واحدة، ولعلَّ كل هذا زاد سهولة التفاهم والتعايش السلمي بين الاتجاهات المختلفة والمتعارضة، وفي نفس الوقت زاد التناحر والتطرف في بعض الأحيان! إنَّ تحقيق معادلة الأمن الفكري والروحي ستُمَكِّن أمتنا من تحقيق غايتها التي تُركز على تحقيق الوحدة والتلاحُم في المنهج والفكر والغاية، وبتحقيق تلك الغاية ستتوافر فرص التطور، والنمو والنهضة والثقافة والحضارة لأمتنا ولكافة الأمم الاخرى. وبتحقيق ضرورة الأمن الفكري والروحي ستتم المحافظة على هوية الأديان وشخصيتها وثوابتها، وستُهدَم كافَةُ الأفكار الدخيلة، وسيقل بشكل واضح معدل الجريمة والعُنف، وبالتالي سيعُمّ الاستقراران الفكري والروحي أرجاء المعمورة، وبالطبع المسألة بحاجة إلى تطبيق هذا التنظير الكبير على أرض الواقع لتحقيق ذلك المآل الذي لا يتأتى إلا من خلال برامج عمل مرسومة وممنهجة من قبل أتباع الأديان من كبيرهم إلى صغيرهم في الدرجة والسن والمقام. وقد رسم الشيخ محمد الغزالي - يرحمه الله - طريقًا للتعايش بين الأديان والمذاهب المتعارضة، فقد وضع ثلاثة مبادئ للتعايش والحوار هي: أولًا. نتفق على استبعاد كل كلمة تخدش عظمة الله وجلالته، فأنا وأنت متفقان على أنًّ الله - تعالى - قد أحاط بكل شيء علمًا، وأنه لا يعجزُهُ شيءٌ في السموات ولا في الأرض، وأنَّ رحمته وسعت كل شيء، وأنَّه ليس متصفًا بالنقائص والعيوب التي تشيع بين البشر، ثانيًا. نتفق على أنَّ الله - تعالى - يختار رسله من أهل الصدق والأمانة والكياسة، ثالثًا. ما وجدناه متوافقًا في تراثنا نردُّ إليهِ ما اختلف عليه، وبذلك يمكن وضع قاعدة مشتركة بين الأديان، وفي اتباع ذلك بين أبناء الأديان السماوية الثلاثة نحقق أهداف الإيمان الساميَة في الاستقرار والسلم والمحبة. إن استتباب حق الجميع في الشعور بالأمن الفكري سيوطِّد أواصر التعايش بين الطوائف والأيدولوجيات الدينية المختلفة وستؤمِّن لهُم حقوقهم الطبيعية في الأمن الديني الذي يؤثر مباشرةً في الأمنين الفكري والروحي للإنسان، وإني أجد أنَّ هذه هي مهمة الساسة، وكذا مهمة أبناء الأديان من مختلف طبقاتهم المجتمعية ابتداء من هيئات المجتمع المدني، أصحاب القرار، وصولًا إلى المبدعين والمثقفين كلٌ في ميدانه ومجاله. فدورُ الجميع يتمحور حول تأسيسِ وترسيخ تيار مجتمعي متنامي يقوم بتهيئة المناخ المناسب تربويًا وفكريًا وثقافيًا وإعلاميًا لنشر هذا التيار وتصعيده وتبنيه، الذي سيقوم بدور مدّ جسور الثقة بين الطرفين والبُعد بالتالي عن مظاهر الاقصاء والعنف والجور المتبادلة. إنَّ إشكالية الحفاظ على الأمن الديني للمجتمعات أمرٌ في غاية الأهمية فهي تحمي الأديان وتحارب كُل تحريض على الكراهية والنبذ، وتقوم بتعزيز الحوار المتبادل بين أتباع الأديان والأيدولوجيات المختلفة لتعزيز التسامح والاحترام وتحسين التفاهم تجاه معتقدات وآراء وحرِّيات الآخر، وبالتالي احترام وتعزيز التنوع الديني والثقافي التي تتوافق ومعايير وقواعد حقوق الإنسان التي تُحرِّم في الأساس الدعوة إلى الكراهية والعُنصُرية الدينية.