بالقدر الذي استلبت به وسائل التواصل المتغلغلة في تفاصيل الحياة بهجة اللقاءِ ودهشة المعرفة، كان لقاءُ مجلس نون الثقافيِ بالجبيل، الذي شاركتُ به الأسبوع الماضي، تأكيدا على انتصار الطريقة التقليدية في اكتساب المعرفة وتنمية مهاراتِ الحوار، من خلال القراءة الحُرة. هذا اللقاء الثقافي، الذي يُقام بإشراف إدارة الخدمات الاجتماعية في الهيئة الملكية بالجبيل الصناعية، والهادف إلى تنمية مهارات الحوار واكتساب المعرفة، وتنمية روح المسؤولية المجتمعية والانتماء الوطني بين الشباب والمهتمِين، قد خالف توقعاتي المسبقة عنه عندما قارنته مع ما يشابهه من فعاليات، فقد كان التجديد في الطرح بارزا في كافة مراحل هذا اللقاء، بدءا من وسائل توجيه الدعوات، والاستبيان ذي السؤال الثقافي الواحد، الذي أخبرت أحد الأصدقاء أنه طريقة راقية لتحفيز معرفة المتلقي والارتباط معه من خلالها، مرورا بإدارة وقت الحوار، واختياراته، ومحتواه، ومستوى الطرح والتفاعل، وتقديم العروض المرئية، وتطويع القائمين على اللقاء وسائل تقنية متعددة من أجل تحقيق أهدافه. أعتقد أن هذه الأنشطة جاءت في الوقت المناسب، كون الثقافة بما تحمل من قوة في المعرفة - والأهم المهارة في اكتساب آلياتها- بدأت تفرض نفسها بقوة الآن، ليس في المملكة فحسب، بل على مستوى العالم، وباتت القراءة الحرة مكونا من مكونات ما يُعرف بمجتمع المعرفة. وما من مكانٍ مُؤهل لهذا الوصف بمثل هذه المدينة الوادعة الصاخبة، مدينة الجُبيل الصناعية، في ظل إدارة مخلصة تتقِد نشاطا، مثل إدارة الهيئة الملكية القائمة على إدارة شؤون المدينة وتقديم الخدمات لقاطنيها. وما من شكٍ عندي في أن هذه المدينة التي لطالما كانت واجهة جميلة لتميُز المملكة في المجالات الصناعية والهندسية والتعليمية، ستصبح قريبا واجهة للمعرفة والثقافة بكافة جوانبها.