كنت أحدث أحد أبنائي عن الماضي وكيف كنا نقضي أوقاتنا ليل نهار، بألعاب ابتكرناها من بقايا الخردوات، ومما هو متاح بين أيدينا ك(الدنانة)، وهي عبارة عن إطار الدراجة الهوائية مع عصا للتوجيه من سعف النخل، أو دُمى من صنع أيدي أمهاتنا، كنا نصنع حتى «الطائرة الورقية»، من ورق الصحف بعد تجفيفه بمادة نباتية صمغية وهيكلها من جريد النخل. كم كانت جميلة تلك الأيام ونحن نلعب ونلهو في (الحوي) -صالة الجلوس- عندها توقف إسهابي وبدأ الاستفسار. وما هو الحوي؟! هو الحياة يا بني، أشعة الشمس تنير سماءه والهواء الطلق ينعش جدرانه والعصافير تعشش على رؤوس حيطانه، ما أروع تلك الدُور. بعدها شرد ذهني، وتخيلت نفسي في موقع ابني، عندما يسأله أحفاده، أين ولدت يا جدي؟ في شقة سكنية، معلقة بين السماء والأرض، لا نور بها دون مصباح، ولا شعاع شمس يلامس ردهاتها، هواؤها كئيب لا يخترق النسيم النقي جدرانها، صيفها كشتائها، غرفها كالتوابيت، سكن معتم، لا يطاق العيش بها، ضوضاء من فوق أسقفها وأسفلها أناس أصوات حناجرهم تعلو قامتهم، لا يفرقون بين ضحى وسبات ولا رضيع عليل. ستدور الدائرة يا بني وستعود حياتنا طبيعية كما كانت، وسنعيش كما كان الآباء والأجداد، بلا نفط أو طاقة كهربائية، خالية من تعقيدات الهندسة المعمارية. السبب... أنهم تقبلوا واقعهم وتمكنوا من التكيف مع بيئتهم، لم يخالفوها، لم يعتدوا عليها، ولم يستنسخوا نمط حياة لا يتناسب مع طبيعة بيئتهم الجغرافية والمناخية أو يتعارض مع ثقافتهم وعاداتهم الاجتماعية. العيش بطريقة عامودية (عيشة الفنادق) مهما علا ارتفاعها، لن تصل إلى السماء، هي مساكن في الهواء، كالسفينة في الماء، هدفها الاستفادة من المساحة الأرضية قدر الإمكان، والتغاضي عن السلامة والأمان. ومع توجه الدولة في التقليل من الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة والترشيد في الإنفاق العام، وتوافقا مع رؤية 2030، نرى أن السكن بالنظام العامودي مكلف ماديا على الفرد وهدر في الطاقة، التي بالإمكان توفيرها والاستفادة من المساحة الشاسعة لمملكتنا. التمدد أفقيا هو الحل، عبر توسيع الرقعة الخضراء (التشجير) في شوارع المدن والأحياء، زيادة مساحة وأعداد الحدائق والمنتزهات، استخدام مواد أقل كلفة في البناء، دافئة شتاء باردة صيفا وصديقة للبيئة ما أمكن، اعتماد دور واحد فقط في تصميم البناء السكني، تزويد كافة المنازل بشرائح لإنتاج الطاقة الشمسية، الاعتماد على أشعة الشمس بشكل كامل كمصدر أساسي لإنتاج الطاقة الكهربائية، وأخيرا تشريعات ومعايير بناء جديدة مرنة ومنطقية.