شهد شهر يناير 2017 جملة من الحوادث الدولية ذات الطابع الاقليمي التي تصنف في خانة «حوادث إعلامية» بمعنى أنها تأتي أو تصب في نهر الاعلام الكبير، هذا السلاح الخطير والشديد التأثير، على مواقف الناس وقناعاتهم ورؤيتهم لما يدور حولهم، وفي اوطانهم، وهذه الحوادث ذات علاقة مباشرة بالاقطار المجاورة والشقيقة لنا التي تشكل في المنظور العام جزءا من الدرع الصلبة للمنطقة التي تحمي امنها واستقرارها. الحادثة الاولى كانت عبارة عن اختلاق مقابلة مع سعادة سفير المملكة العربية السعودية السابق في الجمهورية التركية، حيث نقل خلال المقابلة على لسان الرجل زورا وبهتانا اقاويل ورؤى حول تركيا، وحول السيد اردوغان فيها من الاتهامات وعدم اللياقة الدبلوماسية وما ينافي طبيعة وواقع العلاقات الدبلوماسية الطبيعية والحقيقية بين البلدين. وما كان من المملكة العربية السعودية الا ان نفت اي صحة للامر، واكدت ان سعادة السفير انهى عمله في تركيا، وانه لم يدل بأي تصريحات، من اي نوع لاي جهة اعلامية. بمعنى أن كل ذلك كان اختلاقا وتلفيقا رخيصا، تبعه بعد اسابيع قليلة اعلان ناري تناقلته وسائل اعلام عالمية وبثه بعضها بحماس مبالغ فيه على انه خبر منقول عن هيئة الاذاعة البريطانية بقسمها العربي، وبعد حين حُذف الخبر من المنصات الاعلامية هذه الجهات «روسيا اليوم» كما تناقل الخبر بحبور وفرح ظاهر مئات المغردين على منصة تويتر من مختلف المستويات والمشارب والتوجهات، الخبر الثاني كان يتمحور حول تصريحات مختلقة لرئيس الاستخبارات السعودي يتحدث فيها عن اوضاع داخلية اماراتية تخص سمو ولي العهد في دولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة. الخبر ايضا مختلق وملفق وجملة القصة موقع مزور باحترافية عالية قَلَدَ موقع البي بي سي وزعم كل تلك الوقائع التي كان رسميون سعوديون أبطالها، وهدفها تقويض العلاقات المستقرة للمملكة بالدول الصديقة والشقيقة. اللافت ان عملية التزوير للموقع الاخباري المعروف جاءت على درجة عالية من الاحترافية وهذا رأي الخبراء والتقنيين، مما يدل ان الجهات التي تقف خلف هذا العمل يحتمل وبنسب عالية ان تكون دولا، وجماعات سياسية لها عداء للمنطقة ولدولها وفي المقدمة المملكة العربية السعودية ودول الخليج. والدول المتحالفة معها ضد الارهاب والتخريب في المنطقة. وبعد هذه الاشارات القوية والبارزة ليس من الصعب تلمس الايدي الايرانية التخريبية واستخدامها لجماعات بشرية سياسية تتوهم بأنها صاحبة ثأر سياسي مع دول المنطقة. هيئة الإذاعة البريطانية لها حريتها المطلقة في كشف الجهات التي اساءت اليها بهذا العمل عبر القانون ودول المنطقة المستهدفة بحرب التلفيق هذه عليها دور يتطلب القيام به لمواجهة هذه الموجة التي على الرغم من سذاجتها وتفاهتها إلا انها تظل مثل اصوات الانفجارات الكاذبة تزعج وان لم تقتل. هذه الموجة من التلفيقات تأتي في وقت تتسارع فيه خطوات التحالف العربي بأجنحته الرئيسة الى تحقيق انجاز موجع لإيران وللجماعات التابعة لها في المنطقة، ومن الضروري الوقوف في وجه مثل هذه الهجمات التي هدفها تمزيق الوحدة المادية والمعنوية لدول المنطقة. النقطة الاخرى وهي ذات بعد دبلوماسي الى حد كبير وتتعلق بالاحتفائية بمثل هذه التلفيقات من قبل وكالات وهيئات اعلامية لها وزنها، وتابعة لدول صديقة للمملكة ولدول المجلس اجمالا ومع ذلك تسارع الى نشر مثل هذه المعلومات التي لا يخفى حجم التلفيق فيها على جهات يفترض انها احترافية في هذا الميدان، الا اذا كان هذا الاسلوب من الصديقة روسيا الاتحادية يأتي ضمن ملفات معينة نتشاطرها في المنطقة ابرزها الملف السوري، او انها تندرج في فهمهم تحت حرية الاعلام التي نعرف جيدا انها بوابة قابلة للإغلاق متى ما رغبت وتحركت رياح السياسة في روسيا. الاجواء الدولية والإقليمية مسممة بما يكفي في الآونة الأخيرة، وتكرار مثل هذه التلفيقات وهذه الاختراقات يزيد من الضبابية لدى عامة الناس الذين يعتقد اغلبهم ان اي خبر او تصريح يعلق على منصة اخبارية مألوفة هو صحيح دون نقاش. ما اسفت له على المستوى الشخصي تناول خبر ملفق ومكذوب وبشكل بين من قبل اكاديميين وأساتذة جامعات يحاضرون في السياسة والمجتمع والتاريخ والتراث، وينصحون الامة بالاستيقاظ من سباتها، وهم يوزعون على متابعيهم أخبارا بينة التلفيق!! هذه الفئة هي جزء من الحرب على كل نجاح للعرب الذين يسعون لصناعة شيء من المستقبل.