من المفيد في كل الشؤون أن نقوم من حين لآخر بمراجعة بعض الأفكار والاعتقادات التي طالما اعتبرناها من المسلمات، فالاقتناع الراسخ ليس دليلا كافيا على صحة القناعات، ومعظم المشكلات التي يقع فيها الناس هي نتاج لأفكارهم المقيدة التي تبرمجوا عليها دون مراجعة خلال تنشئتهم الاجتماعية ومن واقع الثقافة التي يعيشون فيها. فالتفكير يقود السلوك، ولهذا يؤكد العالم النفسي ألبرت أليس صاحب مدرسة العلاج العقلاني الانفعالي على أن الاضطرابات النفسية التي يمر بها الأفراد تُعزى إلى الطريقة التي يفسرون بها الأحداث، فهم يولدون ولديهم أفكار عقلانية وأخرى غير عقلانية، والأفكار غير العقلانية هي الأكثر تأثيرا في سلوكنا، وتلعب دورا خطيرا كالفيروسات العقلية، لأنها تسهم في تشكيل بناء معرفي هدام يمكن اختصاره في أحد عشر اعتقادا لا عقلانيا. تدور الفكرة الأولى حول أهمية كون المرء محبوبا أو مقبولا من كل شخص مهم في المجتمع، أما الثانية فهي في السعي المستمر لتحقيق الكمال واعتبار العقلية التنافسية مطلبا ملحا لتحقيق النجاح والحظوة الاجتماعية. تؤمن الفكرة الثالثة بأن سير الأمور في اتجاهات معاكسة لرغباتنا هو إحباط شديد للذات، وتنشغل الرابعة بالبحث المحموم عن ذلك الحل المثالي السحري لكل مشكلة، وفي حالة عدم قدرتنا على إيجاده بسرعة ستتحول حياتنا لكابوس. تكمن خطورة الفكرة الخامسة في قناعة مفادها أن شقاء الإنسان ينبع من خارج ذاته، ومن الظروف الخارجية والبيئة المحيطة، لذا فهو لا يملك السيطرة على متاعبه النفسية ولا التحكم في تغييرها. تمتلك الفكرة السادسة ايمانا كبيرا بأن الأشياء الخطيرة والمخيفة تستحق أن يوليها الفرد انشغاله بالتركيز على مراقبتها والتوقع الدائم لحدوثها، وهذا الإنهاك سيتسبب في تشكل الفكرة السابعة التي تعتقد أنه من الأسهل تجنب صعوبات الحياة والمسئوليات الذاتية بدلا من مواجهتها، ويدعمها الاعتقاد الثامن بأن سطوة الماضي يصعب الفكاك منها ولا يمكن التحرر من تأثيره المسيطر على حركة الحاضر. صعوبة كل ذلك تدعونا للبحث عما تتطلبه الفكرة التاسعة التي تؤكد على ضرورة أن يكون هناك شخص قوي يمكن للمرء الاستناد على قدراته واللجوء له والاعتماد عليه. وتؤمن القناعة العاشرة بأن الناس الذين يتصرفون بشكل سيئ يستحقون العقاب بشدة ويتوجب نبذهم بسبب حقارتهم، وهي منطلقة من الاعتقاد الحادي عشر بأن العالم يجب أن يكون عادلا ويمنحني ما أريده، ولا بد أن أعامل برفق من الآخرين وإن لم يفعلوا فلن أتحمل سلوكهم وسيصبح العالم كريها لا يمكن العيش فيه. نحن نرى العالم بعقولنا، وأنماط تفكيرنا هي المسؤولة عن تعاستنا أو سعادتنا، واستمرار تلك الأفكار أو بعضها في أذهاننا أشبه بالسماح لتلك الفيروسات بالمزيد من التوغل والتدمير لجهازنا الإدراكي، مما سيقودنا للانفعال النفسي والتشوش الذهني، وتبدأ الخطوة الأولى في التعرف على تلك الأفكار اللاعقلانية، ثم الاعتراف الشجاع بخطورتها، والتدرب على الاستبصار الداخلي لضبط الحوار الذاتي بهدف استعادة البناء المعرفي الصحي للذات.