من يطلع على الدراسات والبحوث العلمية في مختلف المجالات والتخصصات الاقتصادية والسياسية ودراسات الجدوى والتنمية والتخطيط والسكان والإحصاء وغيرها من علوم أخرى، يدرك أهمية الدراسات الاجتماعية كداعم رئيس ومكمل لها، ولا تستغني تلك الجهات عن البحوث والدراسات من الجانب الاجتماعي بمختلف تخصصاته ومجالاته. هيئة الإحصاءات العامة أين عملها في الإحصاء الاجتماعي وتوظيف هذا التخصص لمساعدتها في جمع وتحليل البيانات الإحصائية من الناحية الاجتماعية؟ وايضا وزارة التخطيط والتنمية ومدى دورها في الاستفادة من اختصاصيي علم الاجتماع للاستفادة من دراساتهم وبحوثهم التي تدعم أهدافها، فكيف يمكن التخطيط والتنمية لمجتمع دون دراسته من منظور اجتماعي متكامل؟ وأين مكاتب العمل والاستقدام من دراسة مجتمعات القوى العاملة ومعرفة عادات وتقاليد وثقافة العمالة من تلك البلدان قبل الاستقدام منها، ودراسة ملاءمة عيشها بيننا وببلادنا، والتغييرات الاجتماعية والديمغرافية التي يمكن أن تحدثها في حال وجودها بأعداد معينة. وكذلك يمكن عمل دراسات اجتماعية وترفع توصياتها من ناحية عمل المرأة وخوضها للمشاركة في التنمية والبناء، وكذلك وزارة الاقتصاد والشركات الكبرى وأهمية الدراسات الاجتماعية قبل البدء في أي مشروع من المشاريع التنموية والاقتصادية، وكذلك وزارة الإسكان والبلديات وغيرها والقائمة تطول. ترى كيف لأي جهة أن تعمل دون أن تسبقها دراسة جدوى من النواحي الاجتماعية. إن خريجي وخريجات علم الاجتماع، وتحديدًا خريجي هذا العلم من كليات العلوم الإنسانية والآداب، درسوا مختلف المواد في تخصصهم، منها علم الاجتماع الاقتصادي ونظرياته وعلم الإحصاء الاجتماعي والسكاني، كما درسوا التخطيط والتنمية وعلم الانثربولوجيا وعلم الجريمة وعلم الاجتماع السياسي والإداري والديني. ودرسوا الأسرة والأحوال الشخصية، ومختلف أنماط المجتمعات الحضرية والبدوية والريفية، ودرسوا علم الاجتماع الصناعي والطبي، وعلم النفس الاجتماعي بشتى فروعه؛ الرأي العام والإعلام والإعلان والشائعة ووسائل الاتصال والتواصل وتأثيرها على المجتمعات، وما تحدثه من تغييرات، وهذا على سبيل المثال لا الحصر للمواد التي درسوها. أين معاهد الدراسات والبحوث الاجتماعية التي تدعم وتزود وتثري بقية التخصصات قبل الشروع فى أي عمل يخدم الوطن والناس والمجتمع. الاختصاصيون في مختلف المجالات يدركون أهمية ذلك، وأنه لا غنى عن النظريات والدراسات الاجتماعية وضرورة الفهم الجيد للمجتمع المراد العمل فيه. قبل طفرة النفط واستخراجه في منطقة الخليج وما أحدثه من تغييرات معيشية واقتصادية لأهالي المنطقة التي لا تخفى على الجميع، عمدت شركات النفط الأجنبية إلى فهم المجتمع الخليجي معتمدة على دراسة عادات وتقاليد وثقافة المجتمع واحترام الموروث الديني والشعبي والأنماط المعيشية لهذه المجتمعات، كاستراتيجية هامة لمشاركتها لتتحاشى التصادمات بين أهدافها الاستثمارية والاقتصادية وبما يعتقده ويؤمن به أفراد تلك المجتمعات، لتؤمن لنفسها القبول والتمكن من تحقيق أهدافها بنجاح وبكل يسر وسهولة. واقع مؤلم يعيشه خريجو وخريجات تخصص علم الاجتماع، وعلى مختلف درجاتهم العلمية في هذا المجال سواء درجة البكالوريوس والماجستير والدكتوراة، وكذلك الحال نفسه في اقسام الدراسات الاجتماعية في جامعاتتا وكلياتنا، لذا أصبح النزر القليل من يكون له رغبة وميول في سلك واختيار هذا التخصص الهام رغم الحاجة اليه. ولعل أهم الأسباب، قلة توظيف أصحاب هذا التخصص بما يناسب تخصصهم فنجدهم تكاد تنحصر وظائفهم في وزارتين أو ثلاث لا أكثر بشكل تقريبي، وهي وزارات: التعليم والصحة والعمل والشؤون الاجتماعية وبأعداد وظائف خجولة وتعد على أصابع اليد. قد لا يكون حديثو التخرج في تخصص علم الاجتماع على قدر كاف وتمكن من عمل دراسات اجتماعية وبحوث وافية، أو لا يملكون أدوات وفنيات البحث والفهم الكامل للتخصص الدقيق لفروع وعلوم علم الاجتماع، حالهم حال الخريجين الجدد لأي تخصص، وتنقصهم الخبرة، لكن يمكن دعمهم وتطويرهم بمنحهم الدراسة التخصصية والدورات في مجال عملهم، ويمكن ابتعاثهم لدول لها باع في هذا المجال، ليكونوا أكثر تمكنا وقدرة على خدمة وطنهم، لأهمية الدراسات الاجتماعية وأثرها الإيجابي في التخطيط والتنمية.