عن (دار الكفاح للنشر والتوزيع) بالدمام صدر ديوان شعر بعنوان (صوت برائحة الطين) للشاعر/ سعود بن سليمان اليوسف. ولعل أهم ما يمتاز به هذا الديوان - غير لغة شاعره القوية وأصالتها ونكهتها الممزوجة بروح المعاصرة - هو وقوفه على رموز تراثنا العربي القديم، وكأنه يستعيد قراءته من جديد، أو يحاول إضاءة بعض من جوانبه المعتمة التي تخطاها الزمن، وربما أغفلها المتقدمون من النقاد، وسكت عنها المتأخرون منهم، ولم تحفل بشيء يذكر من اهتمامهم. أي انها عبارة عن «تهميشات شعرية» تتبنى رؤى فنية معينة، ليس بالضرورة اتفاقها مع واقع الشخصيات التي تناولها الشاعر، وسيرها الذاتية الفعلية، وانما تم استيحاؤها بطريقة الاستنباط، أو قراءة ما وراء سطور سير الأعلام في تراثنا وثقافتنا العربية، قراءة ذات منحى تفسيري ذاتي فني، قائم على الرغبة في اكتشاف جوانب جمالية، وذات أبعاد انسانية في حياة الشخصية محل الاهتمام وهي لا تهدف للبحث عن حقيقة غائبة، أو عن حلقة مفقودة من سلسلة حياة هذه الشخصية أو تلك، ولا عن مدى واقعيتها من عدمها، ولا تعتمد على «المنهج العلمي التأويلي» أو البحث في جدليات تتصادم مع التاريخ على أرض الواقع الفعلي المعاش، في أي أمر من الأمور المتعلقة بحياة مثل هذه الرموز التي تناولها الشاعر، بشكل تهميشات شعرية على سيرهم الذاتية. ومن الأمثلة الواردة على ذلك في الديوان نص جاء بعنوان «تهميشات على المعلقات» يقول من ضمن ما جاء فيه: (معلقة عمرو بن كلثوم: ألا استحق على الجرح شكرا؟ لقد كنت أقصد حين جرحتك أن تتعلم كيف تضمد جرحا وتحنو... فقل لي: شكرا معلقة الحارث بن حلزة: يا صديقي لست بالخاسر اما بعت يوما ألف صحراء بزهرة معلقة طرفة بن العبد: ما تمتعت بشعري هل تملت بشذاها أي فلة أي نخلة بظلال الجذع تبدو مستظلة). الديوان: ص29+ص30. وهناك نصوص أخرى في الديوان كانت أكثر خصوصية لتوغلها بتفاصيل أكثر دقة في (الخطاب الشعري) وصياغته وشكله ومضمونه لنخبة من شعراء العرب، القدامى منهم والمحدثون, يغلب عليها طابع الاحساس بالغربة، والترحل، والبعد عن الأهل والديار والأوطان، وهو ما يتوافق مع (المناخ النفسي العام) الذي تدور في فلكه لغة الشاعر/ سعود اليوسف من خلال ديوانه. ومن أبرز الأمثلة على ذلك نص جاء بعنوان «أبو فراس الحمداني... سيرة ذاتية في مواسم فقدان الذات» اذ يجيء من ضمنه قوله: (هي تجربة.. كتلاقح الأحزان في رحم الرحيل تتناسل الأشواق في صدري الى وطني.. أنادي لن أنادي قبل أن يندى الصباحُ ببحة السيف الصقيل). الديوان: ص35.