الشخصية المثخنة بالأقنعة بوصفها حالة مضطربة تشي بوجود أفراد مسكونين بالارتباك، وليس ثمة شك في أن وجود هؤلاء في المشهد المجتمعي ينقلنا إلى صورة مشوشة وضبابية تفضي إلى أن أولئك الذين يعيشون بشخصيتين متناقضتين ووجهين مختلفين هم في الحقيقة يمثلون وضعا اجتماعيا كارثيا لا يمكن تقبله أو حتى السكوت عنه. ولئن كان متعذرا أن يبقى الإنسان على حالة نفسية واحدة، فالتغير الطفيف والتبدل الخفيف أمر حتمي إلا أن ذلك التبدل لا يبرر الاختلاف والتناقض والتضاد بين ما يظهر به شخص ما أمام الناس، وما يخفيه أو بالأحرى ما يمارسه بعيدا عن أعين الناس ورقابتهم إلى الحد الذي يصيب المتأمل بالدهشة والذهول. وكم هو مؤلم حقا أن تجد من يتمثل دور الناصح أو ربما المنكر في شخصيته الحقيقية، وعبر معرفه في وسائل التواصل الاجتماعي بينما يمارس في ذات الوقت وباسم مستعار ما لا يمكن تخيله أو تصديقه. هذه الصورة البائسة تدعو للحيرة فهل وصل بعض أفراد مجتمعنا إلى أن يعيشوا حياتهم بشخصيتين في جسد واحد، شخصية ظاهرة وشخصية باطنة؟!. إن من المؤشرات التي لا تخفى ذلك الفرق الملحوظ والملموس بين ما يعيشه الفرد في مجتمعه الداخلي، وبين ما يمارسه حين يغادر خارج الحدود، وبالتأكيد فهذا مؤشر على أن هناك خللا ما. ولا شك أن حجم الضغط وكثافة الضبط الاجتماعي التي تمثلها العادات والأعراف والتقاليد أسهمت بشكل مباشر في تبلور هذه الحالة الموشومة بالتلون الفاقع، وليس في تبلور هذه الحالة فحسب بل حتى في استنساخها وتوارثها جيلا بعد جيل. وأيا كان مستوى الضبط وقوة القيد وضراوة (التابو) فذلك لا يبرر قطعا العيش في إطار شخصيتين متناقضتين بهذا الشكل المزري والفظيع. ويبقى في المجتمع شريحة تعيش حياتها باتزان نفسي عميق وثقة روحية منقطعة النظير، أولئك هم (المتصالحون مع أنفسهم) الذين يعيشون حياتهم بكل وضوح، ويتعاملون مع من حولهم بما تمليه عليهم ضمائرهم بكل شفافية يعرفون مساراتهم الحياتية الطبيعية بكل دقة، ويحددون الخطوط التي لا يتجاوزونها ولا يسمحون لغيرهم أن يتجاوزها تجاههم. ومن المؤسف حقا أن يجد هؤلاء الكثير من العنت والتضييق وربما الشتم والتعيير وكذلك التصيد والإقصاء والرمي والاتهام، وتوضع حولهم غابة من علامات التعجب والاستفهام، وتفاجأ أن أولئك المهاجمين الشرسين لهم هم من أكثر الناس تجاوزا للخطوط الحمراء، ومن أكثر المستخدمين هتكا للجانب القيمي والأخلاقي حين يخلون بأنفسهم وبأجهزتهم اللوحية والكفية وربما تجاوزوا التصفح إلى مساحة من الفعل والخطيئة. المتصالح مع نفسه يعيش في سعادة غامرة. هذه السعادة التي تنبع من داخله فتشع هالة من الرضا والنور والضياء على ملامحه، فيغمر بها من حوله بينما تعيش الشخصية المتناقضة حالة من التوجس والخوف والحذر تتراكم على نفسيته وتهيمن عليها أدخنة سوداء كثيفة تؤذيه وتحطمه وتجذبه إلى قيعان من الوحل المظلم. ما أجمل أن يعيش الإنسان متصالحا مع نفسه، وما أقبح أن يكون متناقضا مضطرب الشخصية يحاول أن يخدع من حوله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وهو في الواقع يخدع أول من يخدع نفسه فيسقطها في هاوية ليس لها قرار.