خلال الأعوام الخمسة الماضية تصاعد الاهتمام بتأثير شبكات التواصل الاجتماعي على المنظمات الحكومية، وقليل جدا من الدراسات اهتمت بالسياسات والاحترازات الإدارية العامة، التي طوّرتها الجهات الحكومية المختلفة للتعامل مع العصر الجديد في الاتصال المؤسسي، الذي بدأ مع ثورة التواصل الاجتماعي. هذه السياسات شملت طريقة التعامل مع نوافذ مختلفة، مثل: وسائل الإعلام التقليدي، ومنصات التواصل الاجتماعي، التخطيط للعلاقات العامة الاستراتيجية، والتي خرجت عن نماذجها التقليدية إلى تطبيقات جديدة ومتطورة قائمة على مزيج من العفوية والتخطيط، المؤسسية والعامل البشري، السرعة والمسؤولية، الاهتمام العام (الحكومي) وآلية العمل التجارية لشبكات التواصل، إلى غير ذلك من مجموعة القيم المتضاربة. ومن خلال دراسة لهيئة الإذاعة البريطانية ال BBC عن قرب، التقيت فيها بعض صانعي القرار، وفحصت وثائق سياساتها الداخلية التي تشترك في تنظيم تعاملها مع شبكات التواصل الاجتماعي خلال الفترة الممتدة منذ ظهور التواصل الاجتماعي في 2008 إلى آخر تحديث عام 2015، هذه الدراسة تشير بوضوح إلى إستراتيجية تطوير واضحة للتعامل مع الجمهور وإدارة العلاقات العامة في عصرها الجديد. خلال 8 سنوات واجهت إستراتيجية الBBC عاصفة من النقد مع كل تحديث؛ لأن البعض اعتبرها تنازلات في أولوياتها ومبادئها الأساسية، ودخولها في تناقض بين مبادئها التي كانت السبب في إنشائها، والبعض اعتبر الهيئة الإعلامية العامة الأضخم في العالم ابتلعت طُعماً من شبكات تواصل أمريكية مثل «تويتر» و»يوتيوب» وغيرها لهدم هذا النموذج الذي لا يتوافق مع الرؤية الأمريكية لخصخصة الإعلام في بيئة احتكار القلة. وفي المقابل، كان قرار الهيئة البريطانية بإعادة تعريف بعض المصطلحات مثل مصطلح الجمهور والمنفعة العامة ونطاق الخدمة إلى آخره كافياً بالنسبة للهيئة البريطانية العامة لتبرير دخولها عصرا جديدا في إستراتيجيتها للعلاقات العامة والتفاعل مع الجمهور بما يتناسب مع التغيير الكبير الذي طرأ على فكر ودور وسلوك الجمهور في الآونة الأخيرة، حتى ولو ظهرت تطبيقاتها وكأنها من المفارقات الغريبة. ومن هذه المفارقات مثلا، أن الهيئة بدت وكأنها تقترب من نموذج القطاع الخاص، وتتحالف معه لتحافظ على وجودها كهيئة عامة، وظهرت بطريقة تخاطب جماهير أكثر عمومية (في خدماتها المحلية) لإشراك الجمهور المحلي في القضايا المحلية، وخرجت من سيطرة معيرة الاتصال إلى التعامل العفوي المقنن للحفاظ على تأييد الجمهور بصورة معيارية إلى غير ذلك. حكاية الBBC على أي حال ليست إلا قصة من قصص تطوير إستراتيجي لسياسات الاتصال حول العالم كما تُشير لذلك دراسات عديدة منها مثلا دراسة نُشرت العام قبل الماضي ل 558 منظمة حول العالم، بينت حجم التحول الإستراتيجي الذي عبرت عنه السياسات واللوائح التنظيمية الجديدة لتلك المنظمات واهتمامها بفهم وتنظيم تفاعل موظفيها في هذه الشبكات. في السعودية، نشهد اليوم تحولا وطنيا نحو إعادة رسم خارطة طريق لعمل المنظمات العامة وتقييم أدائها والسياسات ومعاييرعملها، وهي بالتأكيد فرصة لتجديد الأفكار القديمة المتعلقة بالعلاقات العامة وإعادة تعريف الجمهور، دوره ونطاقه، وتعزيز المرونة وترسيخ المسؤولية المجتمعية لتطوير البيئة المحلية لتلائم مرحلة التواصل الاجتماعي. ونحن في بداية العام 2017م لن أتحدث عن ردود الأفعال التي شهدتها شبكات التواصل الاجتماعي على تصريحات بعض المسؤولين وكذلك المقاطعة التي طالت منظمات وطنية هامة في 2016م؛ وما تعنيه من دلالات على ضرورة التغيير، وبدلاً من ذلك دعونا نتذكر بعض الأجندة التي تشغل ممارسي ومديري الإعلام والعلاقات العامة اليوم والتي لخصها تقرير حول تحديات 2007م أصدرته منظمة CIPR. التقرير يشير إلى ضعف تمثيل ممارسي العلاقات العامة في المستوى الأعلى للمنظمات، عدم القدرة على توفير انسجام بين العلاقات العامة وطرق التسويق التقليدية، والتغير في الفضاء التقني والاجتماعي، والسمعة غير الحسنة في نطاق أكبر من المجتمع، وضعف التنوع في ممارسي العلاقات العامة، وأخيراً إتساع المهارات المطلوب توافرها في ممارسي المهنة. هذه التحديات وُضعت على الطاولة في دول غربية تقود صناعة العلاقات العامة عالميا، وتُحدّث سياساتها بصورة دورية.. فما الذي سنضعه نحن على طاولتنا لمواكبة هذا التغير العالمي؟