تُحيط ببرنامج «حساب المواطن» جملة أسئلة مُلّحة بحاجة لإجابات وافية. ويتفاوت إلحاح الأسئلة تبعاً لاهتمامات السائل، فمثلاً تتساءل العديد من النساء: هل يدخل راتب الزوجة ضمن دخل الأسرة لأغراض احتساب الدعم؟ سؤالٌ لا بد من التمعن للإجابة عليه بما يتفق مع الضوابط المعمول بها في البلاد، بمعنى أن «حساب المواطن» لن يَسنّ مفاهيم جديدة لمن تقع عليه مسئولية الإعالة، وإن كان هناك مفاهيم جديدة ستطرأ فسيسبقها تعديل النظم ذات الصلة، وفق ما هو معمول به نظاماً. وثمة سؤال آخر: إن كانت الأسر السعودية - لأغراض استحقاق الدعم- وزِعَتّ إلى خمس شرائح، الخامسة (الثرية) لن تتلقى دعماً من «حساب المواطن»، في حين ستتلقى الشرائح الأربع الأولى دعماً متفاوتاً، يتناقص مع ارتفاع دخل الأسرة، السؤال: ما الذي سيحدث لمتوسطي الدخل، ممن يستطيعون دفع تكلفة المنافع بالأسعار الحالية ولكن ليس بالأسعار المتصاعدة وصولاً للأسعار المرجعية (العالمية)؟! هل سينضغطون بين الشرائح الأربع المستحقة والشريحة (الخامسة) غير المستحقة؟ وإن كان متوسطو الدخل سيعتبرون أثرياء ولن يتلقوا دعماً، ألن يساهم ذلك في «إفقارهم» مع مرور الوقت؟! وإذا أدركنا أن حجم الشريحة الخامسة صغير نسبياً، لانبعاجٍ في منحنى توزيع الثروة، مما قد يجعل تأثير عدم تلقيها الدعم هامشياً كذلك. فماذا يعني هذا؟ وفي ذات السياق، يبدو أننا أمام أمرين متداخلين؛ الأول: توجيه الدعم لمستحقيه، ففي ذلك الحد من هدر المال العام، وهذا أمر لن يختلف على أهميته اثنان، أما الأمر الآخر فهو: ما المعيار (أو المعايير) الذي يحدد مَنّ يستحق الدعم النقدي؟ فيما يتعلق بالأمر الأول (توجيه الدعم لمستحقيه) فهو أقل صعوبة، إذ يبدو أنه يرتكز على تحديد الكمية المعيارية التي يستهلكها الشخص الواحد يومياً وتضرب في عدد أفراد الأسرة، مضروبة في سعر الوحدة (بالسعر غير المدعوم)، مضروبة في «مُعامل» الواحد الصحيح (أي 100% دعم)، ليكون الناتج هو المبلغ الذي سيودع في «حساب المواطن» للأسرة التي تستحق دعماً كاملاً، وتكرر ذات العملية للسلع والخدمات المشمولة بالدعم، وفيما يخص الشرائح التي يقدم لها «حساب المواطن» دعماً أقل فيتناقص «المعامل» من شريحة لأخرى، باعتبار أن الشريحة الأولى هي الأكثر احتياجاً للدعم، والثانية أقل، وهكذا. أما الأمر الثاني (ما المعيار الذي يحدد من يستحق الدعم النقدي؟)، فأظنهُ الأكثر تعقيداً؛ إذ يقوم على تحديد ثلاثة خطوط تماس؛ خط الفقر المدقع، وخط الكفاف، وخط البحبوحة. بما يدفع لافتراض أن الأسر التي يقع دخلها - إن كان لها دخل مستقر- بين خطي الفقر والكفاف تستحق دعماً كاملاً، فيما تستحق الأسر التي يقع دخلها بين خطي الكفاف والبحبوحة دعماً جزئياً متفاوتاً. وباعتبار أن هذه «الخطوط» تتفاوت حدودها من بلدٍ لآخر، لاعتبارات ميدانية واجتماعية - اقتصادية عديدة مما يعني أهمية تحديدها، لما لذلك من تأثير جوهري في تحقيق العلة الأساس من تقديم الدعم، وهي محاصرة الفقر وتحسين مستوى معيشة الأسر السعودية في كل جنبات الوطن بوتيرة متصاعدة عاماً بعد عام. ويكتسب تطبيق برنامج «حساب المواطن» أهمية خاصة، انطلاقاً من أنه سيمثل أسلوباً شاملاً لتحسين الظروف المعيشية إجمالاً؛ فهو شامل للأسر كافة، فمن حق أي مواطن أن يتقدم للحصول على الدعم النقدي، فإن استحق سيحصل على دعم. كما أن البرنامج لن يُضارّ مستحقي الضمان الاجتماعي، بل سيسجَلون تلقائياً، وفقاً لما أعلن رسمياً في هذا الصدد. وبالقطع، فإن «حساب المواطن» خطوة متقدمة لتحقيق عددٍ من الأهداف التنموية الأساسية؛ إذ يشمل تكافؤ الفرص في الاستفادة من الموارد للارتقاء بمستوى معيشة الأسر في كل أنحاء المملكة، واستهداف الفقر ومحاصرته من خلال أخذ الخزانة العامة موقفاً لاستهدافه حيثما وجد، بمعنى أن توفير المال والاتاحة (لمن كان فقيراً لخدمةٍ أو سلعة) يعني انتهاء حالة فقره. ولا بد من الإشارة إلى أن البلدان كافة تسعى لمكافحة ظاهرة الفقر بإطلاق برامج لإخراج الأسر الفقيرة من فقرها، لكن إمكانات وإصرار تلك البلدان يتفاوت. ولذا، فإن نجاح برنامج «حساب المواطن» في اقتلاع الفقر سيحدث قفزة نوعية في التنمية الاجتماعية محلياً، وسيعتبر تجربة رائدة عالمياً، إذ لا يخفى أن الفقر على رأس قائمة تحديدا الأممالمتحدة والبنك الدولي والعديد من المنظمات العالمية المعنية بالشأن الاجتماعي - الاقتصادي. وتأتي الأهمية الحرجة لسعي الدول للتخلص من الفقر، باعتبار أن أساسيات الحياة لا يمكن لأسرة الاستغناء عنها أبداً، وأن ليس بوسع الأسر الفقيرة شراء تلك الأساسيات لعدم امتلاكها للمال. لذا، تطلق العديد من الدول برامج لتوفير الخدمات لغير القادر من سكانها. فما هي الأساسيات؟ في العام 1995 عرفت الأممالمتحدة الفقر الحاد (أو المدقع) بأنه حالة تتصف بحرمان حاد من احتياجات إنسانية أساسية، بما في ذلك المأكل والماء الشرب الآمن ومرافق التصريف والصحة والمأوى والتعليم والمعلومات وأن ذلك لا يعتمد فقط على نقص المال بل كذلك على الوصول للخدمة؛ بمعنى قد تكون الأسرة تملك المال لشراء الخدمة الأساسية لكن الخدمة غير متوفرة. أما الفقر العام فيأخذ أنماطاً متفاوتة منها نقص الدخل المستديم، الجوع ونقص التغذية، المرض، نقص في اتاحة التعليم، التشرد والسكن غير الملائم، على سبيل المثال لا الحصر. وكما هو معروف، ففي العام 2000 اتفق قادة العالم في مقر الأممالمتحدة على تبني ما يُعرف ب «إعلان الأممالمتحدة للألفية»، وقد تناول تحقيق ثمانية أهداف بحلول العام 2015 في مقدمتها الفقر، وفي العام 2015 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة وثيقة «تحول عالمنا: أجندة 2030 لتنمية مستدامة، وشملت الوثيقة 17 هدفاً أولها اجتثاث الفقر من العالم. * رئيس مركز جواثا الاستشاري