هناك تصور شائع بأن بعض الوجبات قد تصيبك بنوبة من النعاس، لكن هل هذا حقيقي؟ يُلام الديك الرومي المشوي بشكل كبير بأنه يسبب شعورا بالنعاس. وأعتقد أن من يتناول نصيبه من لحم الديك الرومي خلال المناسبات، يعلم جيدا ذلك الشعور بالنعاس الذي ينتابه بعد ذلك. لكن هل نحن مُحقُّون في لومنا للديك الرومي؟ لعل السبب وراء هذا الاعتقاد الشائع أن الديك الرومي يسبب الشعور بالنعاس هو أن لحمه يحتوي على مادة التربتوفان. لكن إذا نظرنا إلى بعض الأطعمة الأخرى، فسنجد أنها تحتوي على نفس المادة وبنسب أعلى، مثل زلال البيض، وسمك القُدّ، وبعض أعضاء الحيوانات البحرية، مثل كُلى أسد البحر. ولا أعتقد أن هناك وصفة غذائية يمكن أن تجمع كل هذه المكونات معا، لكن حتى إذا نجحت في الحصول على تلك الوصفة، فليس بالضرورة أن يكون لها تأثير منوم. فما السبب في ذلك؟ إن الفكرة الشائعة بأن بعض الوجبات تجعلك تشعر بالنعاس أكثر من الأخرى قد لا تكون صحيحة تماما. ولمعرفة السبب، يجب أن تفهم الطريقة التي يمتص بها الجسم والدماغ العناصر الغذائية من الطعام. يُعد التربتوفان حمضا أمينيا أساسيا لا يستطيع جسم الإنسان إنتاجه، وبالتالي يجب أن يحصل عليه عن طريق الغذاء، وذلك لاستخدامه كعنصر أساسي في إنتاج مادة السيروتونين. وتعمل مادة السيروتونين هذه كناقل عصبي، ويشاع أنها ترتبط بالشعور بالسعادة، لكن هذه المادة تجعل ذبابات الفاكهة تشعر بالنعاس. ولذلك يُعتقد أن مادة السيروتونين هذه قد تعزز مرحلة النوم العميق لدى الإنسان. ويعني ذلك أن تناول مادة التربتوفان قد يُساعدك على النوم، إذ يمكنها أن تعالج الأرق عندما تؤخذ كمستحضر طبي في صورة أقراص مثلا، وفقا لعدة دراسات أجريت قبل عام 1986. كما أجريت دراسات أخرى بعد ذلك التاريخ، منها دراسة نشرت في عام 2002 تفيد بأن اضطرابات النوم تتفاقم مع تراجع نسبة التربتوفان في الجسم. لكن يبدو أن تأثير هذه المادة أكثر تعقيدا مما ظن الباحثون في بداية هذه الدراسة، وذلك يرجع لكونها تختلف في الطعام عن المستحضرات الطبية. ففي الطعام لا تكون هذه المادة وحدها، بل تختلط بمواد أخرى. والأكلات التي تحتوي على البروتين تضم أيضا أحماضا أمينية محايدة تنافس مادة التربتوفان في الوصول إلى ما يعرف بالحاجز الدموي الدماغي، وهو حاجز يفصل بين الدم والسوائل الأخرى في الدماغ. ولإنتاج مادة السيروتونين، يجب عليك تناول الأطعمة التي تحتوي على مادة التربتوفان على معدة فارغة، حتى لا تنافسها أية أطعمة أخرى في الوصول إلى ذلك الحاجز الدموي الدماغي. لكنك في الوقت نفسه تحتاج إلى طعام لا يحتوي على أي أحماض أمينية أخرى، وهو أمر يصعب حدوثه. وهناك طريقة قد تساعد مادة التربتوفان على الوصول لذلك الحاجز الدموي الدماغي، ففي دراسة أجريت على عدد من المصابين بالأرق بمدينة أونتاريو الكندية، تناول المتطوعون غذاء يحتوي على بذور نوع من نبات القرع غني بمادة التربتوفان. وعندما أضيفت مادة الديكستروز «المعروفة أيضا باسم سكر العنب» إلى ذلك الغذاء، تحسن النوم لديهم. والسبب الذي جعل مادة الديكستروز تُحدث هذا التأثير، هو أن الكربوهيدرات السكرية التي توفرها هذه المادة للجسم تُفرز مادة الأنسولين، والتي بدورها تحفز امتصاص الأحماض الأمينية الأخرى في الخلايا، مما يسهل فرصة التربتوفان في الوصول بسرعة إلى الحاجز الدموي الدماغي. لكن حتى إذا اخترت بنفسك تلك التركيبة الصحيحة من الأغذية، فليس من الضروري أن يُحدث ذلك أثرا معك. وأثبتت 40 تجربة أجريت على أشخاص تناولوا مادة التربتوفان في صورة مكمل غذائي قبل عام 1982 أنه زاد لديهم الشعور بالنعاس، كما قل لديهم الوقت المستغرق قبل الوصول إلى مرحلة النوم الكامل. لكن لا يوجد دليل على أن تلك المادة يمكنها زيادة عدد ساعات النوم لدى الناس، خاصة إذا لم يشتكوا من الأرق. وإذا كان الأرق حادا، فسيكون مفعول تلك المادة أقل. وربما ينجح الأمر فقط في حالة الأرق المعتدل. بالإضافة لذلك، قد يكون السبب في شعورك بالنعاس هو أنك بدأت يومك وأنت مرهق بالفعل، أو تناولت وجبة ضخمة جدا، أو تناولت بعض المشروبات. وحتى لو لم تسبق مادة التربتوفان الأحماض الأمينية الأخرى في الوصول إلى منطقة الحاجز الدموي الدماغي، فلا تستغرب إذا شعرت برغبة في أخذ قسط من النوم.