(14) ثمَّ بدا لي أنَّ الهواءَ غدا أكثرَ كثافةً، معطراً من مبخرةٍ غيرِ مرئيةٍ تتدلى من كائنات «السيرافيم» الذينَ وقعُ أقدامِهِم تدندنُ على الأرضِ المعنقدةِ «أيها البائسُ» صرخت «إلهُكَ قد أقرضك – بهذهِ الكائنات التي أرسلَهَا إليكَ مهلةً – مهلة و شرابَ السلوانِ – من ذكرياتِكَ عن ليونور! اشربْ، أوه اشربْ هذا النوعَ من شرابِ السلوانِ وانسَ هذهِ الليونور الفقيدة!» قالَ الغرابُ: «لا أكثر أبداً» ( 15 ) «أيها المتنبئُ» قلت «شيء من الشرِّ – نذيرُ شؤمٍ لا تزال، لو طائرٌ أو شيطانٌ لو أرسلَ غاو ٍ، أو قذفكَ الأكثرُ إغواءً هنا على الشاطئ، مهجوراً، مع ذلك شجاعٌ، على أرضِ هذهِ الصحراءِ سَحَرَ على ما انتابَ هذا البيتِ من الرعبِ – أخبرني بصدقٍ، أتوسلُ إليكَ_ هلْ هناكَ – هل هناكَ بلحٌ في جلعاد (5)؟ أخبرني – أخبرني، أتوسل إليك!» قال الغراب: «لا أكثر أبداً» ( 16 ) «أيها المتنبئُ» قلت: شيءٌ من الشرِّ – نذيرُ شؤمٍ لا تزال، لو طائرٌ أو شيطانٌ بحقِّ تلكَ السماءِ التي تنحني فوقَنا – بحقِّ الإلهِ الذي نعبدُهُ - أخبرْ هذه الروحَ المثقلةَ بالأسى إذا في الجنةِ البعيدةِ، ستحضنُ تلكَ الفتاةَ.. ليونور – تحضنُ فتاةً متألقةً ونادرةُ قال الغراب: «لا أكثر أبداً» ( 17 ) «كنْ تلكَ الكلمةَ إشارتَنا في الفراقِ، طائراً أو شيطاناً» صرختُ، وثبتُ فجأة «عدْ أنتَ إلى العاصفةِ و إلى شاطئ الليلِ» البلوتوني «(2)! لا تترك ريشةً سوداءَ كأمارةٍ لذلكَ الكذبِ الذي قالتْه روحُكَ دعْ وحدتي غيرَ منتهكةٍ! – فارقْ التمثالَ فوقَ بابي! خذْ قمتَكَ من خارجِ قلبي، وخذْ شكلَكَ من خارجَ بابي! قال الغراب: «لا أكثر أبداً» (18) والغراب، الذي لم يطرْ أبداً، لا يزالُ جالساً، لا يزالُ جالساً على التمثالِ الشاحبِ ل«ِبالاَّس» (3) تماماً فوقَ بابِ غرفتي وعيناهُ فيها كلُّ ما في عينيّ شيطانٍ يحلمُ، وضوءُ المصباحِ فوقَهُ يتدفقُ ملقياً ظلالَهُ على أرضِ الغرفةِ، وروحي من خارجِ تلكَ الظلالِ التي تتوضَّعُ طافيةً على أرضِ الغرفةِ ستُرفعُ – لا أكثر أبداً! هوامش: (5) هل هناك شفاء لحزني العميق؟ ( الكتاب المقدس، إرميا 8: 22)إضاءة على القصيدة: إنه منتصف الليل في ليلة باردة في كانون الأول في أربعينات (القرن التاسع عشر). في غرفة نوم ظليلة. الحطب يشتعل في الموقد عند ما يرثي رجلٌ موت ليونور، امرأة أحبها بعمق. وليشغل عقله عن موتها، كان يقرأ كتاباً عن قصص قديمة. لكن ضجة من نقرٍ أزعجته. وعند ما فتح الباب إلى باب غرفة النوم، لم يرَ شيئاً سوى الظلام. وعند ما استمر النقر، فتح مصراعي النافذة فاكتشف غراباً طار إلى داخل الغرفة وحطَّ فوق الباب على تمثال نصفي لأثينا (بالّاس في القصيدة)، ربّة الحكمة والحرب في الأساطير الإغريقية. يقول الغراب: (لا أكثر أبدا) لكلِّ أفكاره وأشواقه. والغراب، لكونه رمزاً للموت، يخبر الرجل بأنه لن يرى ثانية (لا أكثر أبداً) حبيبته، ولا مرة ثانية أبداً –. من هي ليونور؟: من الممكن أن تكون ليونور هي المرأة المثالية الميتة في القصيدة، تمثل زوجة بو المحبوبة، فيرجينيا، التي كانت بصحة غير جيدة عند ما كتب بو قصيدة (الغراب). فقد ماتت زوجته بعد سنتين من نشر القصيدة، عند ما كانت فقط في منتصف العشرينات من عمرها!! قيمة القصيدة: انتقد النقاد بمن فيهم الشاعر والت وايتمان قصيدة (الغراب) من أجل طبيعتها الغنائية والمغرقة في العاطفية. ولا يزال هذا الانتقاد قائماً حتى اليوم. مع ذلك، اتفق النقاد والقرَّاء العاديون كما يظهر أن القصيدة عمل عبقري من الصنعة الدقيقة وتستحق تماما مكانتها كواحدة من أكثر القصائد شعبية في الأدب الأمريكي. وهي في الحقيقة عمل فني عظيم.