الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة نورة بنت بندر بن محمد آل عبدالرحمن آل سعود    الجبران: مسلسل الزافر يعكس صراعات النفوذ والبقاء    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. دولة السودان    رئيس الوزراء المصري والأمير عبدالعزيز بن طلال يشهدان توقيع بروتوكول تعاون تعليمي للطفولة المبكرة    مبادرة اليوم العالمي لمتلازمة الداون    خلال مبادرة "شرقيتنا خضراء".. زراعة أكثر من 3 مليون و600 ألف زهرة 550 ألف شجرة في 18 حي    مرور المدينة المنورة يؤمن كافة الطرق المؤدية من وإلى المسجد النبوي الشريف    الإمارات و قطر ترحبان باستضافة المملكة محادثات بين أمريكا وأوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب وسط مخاوف الرسوم الجمركية وبيانات التضخم المتفائلة    خسوف كلي للقمر يشاهد من أجزاء من الوطن العربي    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    القيادة تهنئ رئيس موريشيوس بذكرى استقلال بلاده    الاتفاق يودع دوري أبطال الخليج    السعودية تستضيف "نخبة آسيا" الشهر المقبل في جدة    77 حالة اشتباه بتستر تجاري    موجز    بحضور عدد من قيادات التعليم.. انطلاق «قدرات» الرمضانية في جدة التاريخية    إدخال السرور على الأسر المتعففة.. «كسوة» تطلق سوقها الخيري الخامس    محافظ جدة يشارك أبناء وبنات شهداء الواجب حفل الإفطار    تعهد بملاحقة مرتكبي انتهاكات بحق وافدين.. العراق يعيد مواطنيه من «الهول» ويرمم «علاقات الجوار»    مشروع الأمير محمد بن سلمان يحافظ على هوية مسجد الجامع في ضباء    عناوينه وثّقت محطات مهمة في تاريخ المملكة.. الموت يغيب خوجه خطاط «البلاد» والعملة السعودية    «تعليم الطائف» يكرم المتأهلين لنهائي «إبداع 2025»    ضغوط تجاه «مقترح ويتكوف».. وتباين حول موقف «حماس».. الضبابية تخيم على «مفاوضات الدوحة»    المفتي ونائبه يتسلمان تقرير فرع الإفتاء بالشرقية    «السداسي العربي» يبحث مع ويتكوف خطة إعمار غزة.. ترامب يتراجع عن «التهجير»    وزير الخارجية يشارك في اجتماع بشأن فلسطين في الدوحة    التسليح النووي: سباق لا ينتهي نحو القوة والردع    عَلَمُنا.. ملحمتنا الوطنية    أمير القصيم يزور شرطة المنطقة ويشارك رجال الأمن مأدبة الإفطار    المملكة تدشّن مشاركتها في معرض لندن الدولي للكتاب    ملبوسات الأطفال في رمضان.. تعكس هوية الشمالية    إدانات دولية لجرائم الحرب الإسرائيلية    الرياض يهدد صدارة الاتحاد    الحرص على روافد المعرفة    الجنين.. ودودة العلق    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي الصين واليابان    السمات الشخصية المظلمة في بيئة العمل    السهر في رمضان.. تراجع إنتاجية العمل    فيصل بن مشعل يرفع العلم على سارية ميدان التوحيد    أمير الشرقية يكرّم شركاء التأهيل.. ويطمئن على المرضى    «الملك سلمان للإغاثة» يواصل أعماله ضمن مشروع سلة إطعام    الأهلي يهدد بالانسحاب من الدوري المصري    الأمن العام والدفاع المدني يشاركان في معرض «الداخلية»    سعود بن مشعل يشهد «ليلة وقفة جود مكة»    مركز جراحة المخ والأعصاب بمجمع الدكتور سليمان الحبيب بالعليا يعيد الحركة لمراجعة وينهي معاناتها مع الآلام    إدارة الحشود في المسجد الحرام بالذكاء الاصطناعي    الزواج من البعيدة أفضل!    سعوديات يدرن مركز الترميم بمكتبة المؤسس    الرباعي السعودي يتزعم القارة الصفراء    آرت بروميناد تستهوي زوار جدة    52 خزانا تنقل وتوزع المياه المجددة    الشباب شغوفون بالطائرة والمشي يستهوي الفتيات    غُرفة عمليات أجاويد 3 بخميس مشيط تحتفل بيوم العلم    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لفرع الإدارة العامة للمجاهدين بالمنطقة    دلالات عظيمة ليوم العلم    الأولمبية والبارالمبية السعودية تعتمد تشكيل مجالس إدارة 24 اتحاداً ولجنة ومركز التحكيم الرياضي    وزير الدفاع يستقبل وزير الدفاع التركي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدغار ألن بو في ضوء حرائق مدينته ... بالتيمور
نشر في الحياة يوم 27 - 08 - 2015

كان عمدة بالتيمور المخضرم، وليام شافير، يدرك دائماً ان مدينته تواجه أوقاتاً صعبة، الحياة تضيق فيها أحياناً على رغم انها إطلالة بحرية مهمة، ليست نظيفة دائماً لكنها بالتأكيد واحدة من أجمل مدن الشرق الأميركي. وكانت الفترة التي قضاها في الخدمة (1971-1987)، شاهداً على ملامح قاتمة جداً في صورة المكان خلال سبعينات القرن الماضي، وكيف أن الأمور تغيرت منذ ذلك الحين: بعضها إلى الأفضل والآخر إلى الأسوأ.
كانت بالتيمور (ولاية ميريلاند) محاطة دائماً بجو من الغموض و»الضباب التاريخي»، وثمة من يرى ذلك عائداً الى الروح الغامضة والغريبة التي سكنتها، في أربعينات القرن التاسع حين تزوج الشاعر والقاص إدغار ألن بو، من ابنة عمته البالغة من العمر 13 عاماً، ثم كتب قصيدته المظلمة «الغراب»، فوفاته لأسباب غير معروفة وهو في الأربعين، بعد عامين من رحيل زوجته إثر إصابتها بالسل، وبعد ان انتقلت قدرته الخلاقة على صوغ حكايات غامضة صارت لاحقاً الأساس الحقيقي لأدب الجريمة، الى الشاشة حين ظهرت موجة الشاشة السوداء «نوار»، عبر أفلام الرعب البوليسية التي تصور في شوارع المدينة التي دفن فيها وأزقتها الغامضة. تلك هي صورة ما لحال بالتيمور، وسحرها الفريد.
في نيسان (ابريل) الماضي، كانت بالتيمور كرة من اللهب الانساني، بعد الوفاة المأسوية لشاب أسود، أثناء احتجازه على يد الشرطة، فأثيرت أعمال شغب وحرق ونهب على نطاق غير مسبوق، لتعيد الأميركيين الى ستينات القرن الماضي، بل ان غلاف مجلة «تايم»، اختصر الحكاية: لا شيء تغير أميركياً فعنصرية 1968 هي ذاتها اليوم، حتى وإن كان الرئيس (أوباما) أسود.
بالتيمور في المهب، وهو ما دفع كثيرين وبخاصة أولئك الذين يتطلعون إلى المدينة بوصفها بيئة للإلهام والحلول الإبداعية، الى الاستعانة بعمقها الروحي، وإرثها الأدبي والفني كنموذج حي للإبتكار والعمل التدريجي، بغية الخروج من الأزمة. وهنا كان إدغار ألن بو، وعلى الرغم من انه يتحدر من مدينة ريتشموند (ولاية فيرجينيا) الاّ ان بالتيمور كانت بداية حياته الفعلية ونهايتها، وفيها بدأ تحوله من شاعر الى كاتب قصص قصيرة خيالية. وقبل العام 1831، كان بو قد نشر ثلاث مجموعات من قصائده، لم يلق معها سوى القليل من النجاح المادي والمعنوي، على الرغم من أن الشعر كان واضحاً انه سيبقى حبه الأول، غير انه ادرك حاجته إلى «توسيع حقيبته اذ كان يأمل كسب العيش من عمله ككاتب»، فراح يشترك في المسابقات الأدبية ذات الجوائز المالية، ويعمل محرراً في مجلات وصحف أدبية، دفاعاً عن الشاعر فيه والذي «تهوي عليه الكوارث سريعاً».
ومع كل الإخفاق في حياته، مع كل الغموض الذي بدا ملازماً لحياته، منذ وفاة والدته مريضة بالسل وهو في الثانية من عمره، ثم ما عناه زواجه من فتاة صغيرة، ونحيبه المتواصل إثر موتها بمرض والدتها ذاته، من دون ان يكون قادراً على إنقاذها، ومع فقدان الحميمية في حياته إثر نهاية عائلته الحقيقية وتبني عائلة موسورة له عاش معها فترة من طفولته وصباه في بريطانيا، وصولاً الى الاختلاف الذي أثاره في الاوساط الادبية الاميركية على المسار الابداعي الذي شكّله، وإهمال بعض الأدباء له رغم التقدير الخاص الذي محضه إياه، الشاعر الفرنسي بودلير، حين ترجم جميع أعماله وكتب عنه. الا ان صاحب قصيدة «الغراب»، الأشهر في نتاجه وصارت دالة عليه، حد ان تمثاله يظهر الطائر مرافقاً له في ترحاله، ظل علامة التجديد والابتكار في الادب الاميركي، ومثالاً على عراك لا يهدأ من أجل مصير انساني اكثر رحمة، مصير كان يعرف انه سيفتك به عبر موته منسياً في أحد شوارع بالتيمور عام 1849. وشكلت احداث مدينته الاخيرة، فرصة لمراجعة ليس اعماله وحسب، بل عمل من الموسيقى المعاصرة كشف «حكايات الغموض والخيال» التي برع في كتابتها شعراً وقصة ورواية، مثلما برع الفريق الغنائي المعروف باتجاهاته التحديثية للبناء الموسيقي «آلان بارسونز بروجكت» في استلهامها ضمن باب مقاربة الموسيقى المعاصرة للأعمال الادبية. فهو مقام مضموناً على استلهام نصوص مختارة من «حكايات الغموض والخيال» عبر أنغام تقدم درساً في مقاربة الادب الى عالم الاغنية واللحن المعاصر. فتوافرت الاغنيات على تصويرية لحنية لاجواء تأتي من أعماق النص «الغامض» الذي يكتبه عادة إدغار ألن بو، وفق نص يذهب الى تلك الروح ولكن دونما الاهاب الغامض كما في اغنية حملت عنوان حكاية بو الشهيرة «الغراب»: «لا يزال الغراب في غرفتي/ مهما توسلت ليس ثمة كلمات تسترضيه ليس ثمة دعاء للتخلص منه/ حيث توجب علي سماعه الى الأبد».
ولأن الاغنيات كانت تمضي الى ما وراء النص المكتوب وتحاول الوصول الى قراءة معاصرة له، لذا جاءت تحمل رصانة شكلها الموسيقي اضافة الى روحها المعاصرة، فهناك الحضور حتى للشكل التقليدي للأوركسترا السيمفوني، بل ان مغني الفريق وواضع ألحانه، آلان بارسونز، لم يتردد في استخدام الكورال الانشادي والتوزيع الرصين للأوركسترا الضخمة.
ومن أغنيات «حكايات الغموض والخيال» نستمع الى شعر عميق: «ما هذه السلاسل التي تقيد يدي؟/ جزء منك يموت مع كل نهار يمر/ قل انها لعبة ولن تشعر بالأذى/ ستحس ان حياتك تنزلق بعيداً/ انت أيها الغني يا قليل المصاعب/ ها جئت لتكتشف نظرتي الى الحياة/ ما ثمن تاج ملك في عرشه/ حين تكون انت مقيداً في العتمة وحدك».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.