خلال هذا الأسبوع، حقق سعوديون إنجازات عالمية، أشارت لها وسائل الإعلام على استحياء، بينما تصدرت عبثيات بعض الأطفال في وسائل التواصل الاجتماعية اهتمام بعض صناع الإعلام، على طريقة المثل المصري (الجمهور عاوز كدا)، فهل ما حدث طبيعي أم إنها مؤامرة لتشويه الهوية الوطنية؟ سؤال شائك حول الإعلام السعودي وأجندته وهل هو مختطف أم مريض أو أنه يعكس اهتمامات الفئة الكبيرة والصامتة من المجتمع؟، هذا السؤال نادرا ما يُطرح بوضوح لكنه يُطرح باستمرار، وقبل أن أعود لهذا السؤال دعونا نفكر في مدى أهمية فوز سعوديين صغار (رجال 2030) قبل أيام قليلة بالمراكز الثلاثة الأولى في مسابقة الخوارزمي في كوريا من بين مشاركين من 16 دولة حول العالم. دعونا نقرأ الرسالة التذكيرية التي بعثها هؤلاء الصغار (عمرا) للعالم بأن (الخوارزمي) ما هو إلا فارسي صغير جاء إلى بغداد لتحتضنه الحضارة العربية في هذه المنطقة وليعيش معززا ومكرما ثم يصبح مؤسسا لعلم الرياضيات ومكونا محترما من حضارة امتدت من الصين إلى أوروبا. هذا الإنجاز واكبه إنجاز آخر لطالبة سعودية، وذلك بفوزها بالميدالية البرونزية في أولمبيات العلوم في أندونيسيا في مسابقة عالمية، سبق وأن حصد السعوديون فيها العام الماضي الميدالية الفضية بجانب خمس جوائز أخرى، هذه الطالبة أرسلت رسالة أخرى إلى العالم بأن البنت السعودية تلقى الدعم ويمكنها أن تحقق إنجازات كبيرة على الصعيد الدولي يعجز عنها غيرها. إنجازات كبيرة لجيل صغير سيتحمل مسؤولية تحويل المملكة إلى حيث نتمنى وننتظر في عام 2030م، لكنها لم تكن ولن تكون إنجازات شخصية تتعلق بهؤلاء وحدهم، فهذه الإنجازات هي أمانة في ضمير الإعلام السعودي ليبرزها محليا على أقل تقدير، فهذه القصص الملهمة هي ملك للمجتمع الذي يعيش اليوم الحلم في تحول وطني يبدأ ولا ينتهي من عقول الصغار الذين سيعيشون المرحلة القادمة بكافة تفاصيلها. في وقت لاحق جاءت صور المهندسين السعوديين وهم يقفون مع الرئيس الأوكراني للاحتفال بصناعة طراز مطور لطائرة من أسطول إحدى أشهر شركات الشحن في العالم، لتؤكد بأن هناك من يطور ذاته ويعمل بجد ويحاور العالم بمنجزاته التي لا تقل عن الآخرين برغم البدايات المُتأخرة في الالتفات بجدية لصناعة متطورة مثل صناعات الطائرة. كل هذا لم ينل من الاهتمام ما يوازيه، وهو ما جعل البعض يتساءل عن أجندة بعض هذه الجهات الإعلامية التجارية التي لم تر طوال الأسبوع الماضي في السعودية إلا مصدرا لاستهلاك البرامج والأفلام أو مجموعة من التطبيقات السطحية وبعضها سلبي من أطفال يعبثون في وسائل التواصل الاجتماعي وكأن هؤلاء هم سقف طموحاتنا. لكن كيف يمكن تفسير ما حدث، هل نحن أمام تضخم لجهة إعلامية ما لدرجة أنها تستطيع أن تُمارس فكرة (وضع الأجندة) وهي النظرية التي جاءت كمحاولة لقراءة طريقة احتكار وسائل الإعلام الأمريكي من قلة منسجمة من حيث العرق والفكر والمصالح السياسية والتجارية تضع قائمة بما يتم نقاشه وما لا يتم نقاشه. ومع هذا فإن هذه النظرية لا ترى بأن الإعلام هنا يُجبر المتلقي على تبني فكرة فهو فقط يعرض قضايا معينة لتكون محور الاهتمام، ولكنه لا يتآمر على الرأي الآخر، وفي نظري لا توجد أي مصلحة لأي جهة وطنية ألا تعرض هذه النماذج العظيمة وتُفرد المساحات لها إلا إذا رأت أن الجمهور لا يُريد هذا النوع من القضايا أو الأخبار أو كانت صناعة البرامج في أيد غير وطنية أو لا تنتمي للمهنة. وربما تكون المسألة أقرب إلى أن بعض صناع القرار في بعض وسائل الإعلام لم يستوعبوا بعد التغيير الذي طرأ على السعوديين، لذا من واجب النشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية كبيرة لرفض المشاركة في أوسمة تحمل إساءة أو عدم احترام للمواطن أو تهميشا لإنجازاته، ومسؤولية أيضا في الاحتفاء بهؤلاء الأبطال.