تعرضت أسواق المعادن لتراجع عجيب مع اقتراب نهاية عام 2016. معدن النحاس، الذي كان يعاني في سبيل تحقيق مكاسب طوال العام وسط إمدادات صحية وطلب مخيب للآمال، حقق أقوى أداء شهري له منذ عام 2006 في شهر نوفمبر، مع ارتفاع العقود الآجلة لثلاثة أشهر في بورصة لندن للمعادن بنسبة 20 بالمائة. أما الذهب، الذي كان مرتفعا بما يصل إلى 30 بالمائة في يوليو ويتجه نحو أكبر زيادة سنوية له منذ عام 2010، فقد انهار وتراجع إلى نقطة يرجح عندها أنه سينهي العام بسعر 50 دولارا أو نحو ذلك فوق المستوى الذي بدأ به عام 2016. تم سرد قصة بسيطة لتفسير رد الفعل المذكور: بعد انتخاب دونالد ترامب، سيعمل الكونجرس الأمريكي على إخراج البلاد من نظام الانهيار في المالية العامة، الذي دام ثماني سنوات، وفرض برنامج خاص بالبنية التحتية بكلفة تريليون دولار وتخفيضات ضريبية بقيمة 9.5 تريليون دولار، ورفع النمو الاقتصادي والطلب على المواد الصناعية الخام مثل النحاس. في الوقت نفسه، ستستجيب جانيت ييلين لتلك البيئة الصحية من خلال قيامها برفع أسعار الفائدة. وهذا يجب أن يزيد من جاذبية سندات الخزانة لأجل عشر سنوات، التي ينبغي أن تبلغ نسبة عائداتها 2.8 بالمائة بعد سنة من الآن، وأن يحد من جاذبية السلع كالذهب الذي لا يدفع أية فوائد أو عائدات. المشكلة في هذه النظرية هي أن السياسة النقدية وسياسة المالية العامة لا تحدثان بمعزل عن بعضهما البعض. ضع القصتين معا، وستبدأ الرواية بأن تبدو متناقضة. إليكم الطريقة لتلخيص المواقف الأربعة: السيناريو الأول هو في الأساس ما تتوقعه سوق النحاس. يضغط الكونجرس لإيجاد حوافز في المالية العامة، لكن الاحتياطي الفيدرالي يختار أن يتمسك بموقفه بخصوص أسعار الفائدة. وهذا ينسجم مع سمعة ييلين منذ أمد بعيد بأنها ذات موقف حمائمي ورأيها، الذي عبرت عنه هذا الشهر بأن السياسة النقدية «لا تزال ملائمة». المشكلة في تلك التوقعات هي أن الولاياتالمتحدة تمثل حصة ضئيلة نسبيا من الاستهلاك العالمي للنحاس، كما أشار ليام دينينج في بلومبيرج. والتحول في الطلب الأمريكي الذي يكون مثيرا بما يكفي لزعزعة استقرار أسواق المعادن يمكن أن يشكل فرصة جيدة لسد فجوة الناتج، التي طال أمدها في أمريكا ورفع أسعار الفائدة لمستوى أعلى. في السيناريو الثاني، يمكن لهذه السياسة الأكثر تشددا أن تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد والحد من الطلب على المواد. وهذا إلى حد ما هو ما تتوقعه سوق الذهب. نظريا، من الممكن أن يكون هنالك السيناريو الثالث. فقد اعترض زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماك كونيل الأسبوع الماضي على فكرة وجود حزمة كبيرة، خاصة بالبنية التحتية، و«خطة بيني» الخاصة بترامب الهادفة لخفض الإنفاق الفيدرالي سوف تقلل من النفقات بحوالي 740 مليار دولار، وفقا للجنة الميزانية الاتحادية المسؤولة، وهي مؤسسة فكرية تخص الحزبين. إذا لم تكن سياسة المالية العامة تعمل على تنشيط وتحفيز الاقتصاد بشكل كبير، فإن السياسة النقدية يمكن أن تبقى فضفاضة جدا (أي أن أسعار الفائدة ستظل متدنية) ولا يمكنها التعويض عن النقص. أما السيناريو الرابع فهو أقرب إلى الحالة، التي سادت خلال معظم الفترة التي قضاها باراك أوباما كرئيس للبلاد. في الوقت الذي أقر الكونجرس فيه برنامجا رئيسا للحوافز في فبراير من عام 2009، توسع الإنفاق الحكومي الاسمي بأبطأ معدل له منذ الحرب العالمية الثانية. في الوقت نفسه، أمضت أسعار الفائدة، التي خضعت لقيود بسبب الحد الأدنى لمستوى الصفر، معظم السنوات الثماني الماضية وهي أكثر تشددا مما يجب، مع انخفاض معدل التضخم مقاسا بمؤشر النفقات الاستهلاكية الشخصية ليصل دون مستوى النسبة المئوية المستهدفة لدى الاحتياطي الفيدرالي والبالغة 2 بالمائة خلال 91 شهرا من أصل 95 شهرا منذ تسلم أوباما للرئاسة. من بين تلك السيناريوهات الأربعة، يمكن أن يطابق السيناريو الأول الاتجاه التفاؤلي في سوق النحاس، لكنه قد يعني ضمنا أن النوبة الحالية من التشاؤم حول معدن الذهب أمر مبالغ فيه. فيما لو تحقق كل من السيناريو الثاني والثالث، سيكون النمو أبطأ مما هو متوقع وسترتفع أسعار الفائدة بشكل أكبر، الأمر الذي يمكن أن يكون تشاؤميا لكل من معدني الذهب والنحاس. في الحدث غير المحتمل للسيناريو الرابع، يمكن أن يهبط النحاس في الوقت الذي يرتفع فيه الذهب. ربما تكون هنالك حالات حرجة يمكن أن تفسر الإجراءات الأخيرة في الأسعار، لكن بشكل عام ليست هنالك أية ظروف واضحة يمكن أن يحقق النحاس في ظلها مكاسب مستدامة في الوقت، الذي يسجل فيه الذهب خسائر مستمرة، الأمر الذي نشهده الآن. أي شخص يراهن بشكل كبير حول الاتجاه، الذي تحركت فيه أسعار المعادن الثمينة والأساسية على مدى الأشهر القليلة الماضية ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار السلوك الأخير غير العادي لتلك الأسعار. فالارتباط السلبي بين النحاس والذهب -حيث يرتفع أحدهما، في الوقت الذي ينخفض فيه المعدن الآخر- يدوم عموما لفترات زمنية قصيرة ونادرة الحدوث فقط. وصلنا الآن إلى واحدة من تلك الفترات الزمنية، لكن المتداولين الحكماء الذين يولون التاريخ أهمية كبرى ينبغي ألا يعولوا كثيرا على استدامة تلك الفترة. إذا كنت تراهن على توقعات تفاؤلية لمعدن النحاس، سيتعين عليك المراهنة على نفس التوقعات بالنسبة لمعدن الذهب - أو بالعكس.