شكَّلت ظاهرة اقتحام ساحة الشعر الشعبي من قبل «دكاترة» حاولوا أن يقدّموا بعض نظرياتهم النقدية على القصيدة الشعبية، وأن يظهروا بشكل مميّز يعكس حجم الشهادات العليا التي يحملونها، عدم قبول من قبل أغلب المنتمين للساحة. فرغم أن عددا قليلا جدا منهم قد وفّق إلا ان عدد مَن أخفق كان كبيرا جدا، ويأتي في مقدّمة مَن وفّقوا في ذلك واستطاعوا بالفعل تشكيل إضافة الدكتور غسان الحسن الذي كان له دور كبير في تغيير الكثير من المفاهيم لدى المتلقي منذ ظهوره في النسخة الأولى من برنامج «شاعر المليون» قبل عشر سنوات، حيث شكّل إضافة نقدية، وساهم نجاح البرنامج جماهيرياً وطريقة الحسن في نقد القصيدة في أن تكون كذلك، وربما كانت تجربته سببا في أن يسلك عدد آخر من «الدكاترة» نفس المسلك دون أن يحققوا النجاح الذي كانوا يتوقعونه. في الحقيقة ان القصيدة الشعبية لا تحتاج «دكاترة» لمجرد أنهم «دكاترة» أفنوا أعمارهم في الدراسة والتحصيل العلمي، فهؤلاء أقرب لتحليل القصائد الفصحى من القصيدة الشعبية التي ظلمت كثيراً بين أيدي أغلبهم، حيث لم يستطيعوا تقديم أنفسهم بالشكل الذي كانوا يؤملونه، ولا ان يشكلوا انطلاقة حقيقية للثقافة النقدية في الشعر الشعبي رغم ما يملكونه من مؤهلات كانوا يعتقدون انها تساعدهم في ذلك. مشكلة هؤلاء «الدكاترة» أنهم نظروا للشعر الشعبي في بداية الأمر من أعلى، وعندما اكتشفوا أنهم مخطئون عالجوا الخطأ بخطأ أكبر وهو التوجّه للمسابقات الشعرية والمشاركة كنقاد، حيث بحث أغلبهم عن الشهرة والمادة بغض النظر عن إن كانوا بالفعل قادرين على الظهور بالشكل المميّز أم لا، مما تسبّب في ألا تلقى أغلب وجهات نظرهم حيال القصائد التي ينقدونها تأييد المتابعين الذين استغربوا ذلك الظهور، واعتبروا أن أمثال هؤلاء هم دخلاء على الشعر بل ولا يملكون ما يؤهّلهم لنقد القصيدة الشعبية، مفضّلين أن يحتل مكانهم شاعر شعبي أو إعلامي قدير يملك الخبرة والقدرة على تحليل القصيدة، مما يجنّب الشاعر «صاحب القصيدة» التعرّض للتقليل من قصيدته رغم أنها تستحق الإشادة. خلاصة القول إن القصيدة الشعبية لا تحتاج إلى «دكاترة» لمجرد أنهم «دكاترة» فالقصيدة الشعبية ظلمت كثيراً بين أيدي أغلبهم وهم يحاولون تطبيق نظرياتهم النقدية على الشعر الفصيح في الشعر الشعبي.