الوضع الاقتصادي العالمي في حالة سيئة، وقد قاد الكثير من الدول المنتجة، للتراجع عن مستويات الصرف التي كانت معتادة عليها، بما فيها أمريكاوبريطانيا، وكان نتيجة ذلك أن تدهور الوضع المعيشي للمواطنين، فمال الجمهور العام نحو اليمين المتطرف بشكل لافت. وكأن ثمة علاقة طردية، بين الأفكار المتخلفة ومستوى المعيشة المتدني. من يراقب ميلان الجمهور الغربي نحو اليمين، ومعاقبته للأنظمة التي حكمت، تارة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ بسبب تراجع مؤشرات التنمية ومنافسة عمالة أوروبا الشرقية وإسبانيا للإنجليز، ومرة بإشاحة النظر نحو الولاياتالمتحدة، والوقوف على تفاصيل خطاب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أثناء حملته الانتخابية ضد خصومه من عائلة كلينتون، يصل لقناعة بأن الوضع الاقتصادي للمواطن الأمريكي كان عاملاً مؤثراً جداً في خياراته. حتى لو بدا لنا، نحن الجمهور العربي، المتحمس دائماً لمتابعة تفاصيل الأخبار الأمريكية، وكأن الخطاب الهوياتي الذي عملت عليه حملة ترامب، هو الذي حسم المبارزة الانتخابية. لو تجاوزنا لوهلة خطاب خصوم ترامب تجاهه، والاتهامات الكثيرة التي ساقها الإعلام المملوك من أساطير رأس المال، لوجدنا أن نقطة قوة الرئيس، كانت في شعاره الرئيسي: «فلنجعل أمريكا عظيمة من جديد». وهذا الشعار يستبطن اعترافاً بأن أمريكا في حالة تراجع محسوس، وإن هذا التراجع قد لامس مكتسبات الطبقة الوسطى من البيض، على أقل تقدير، وهي التي اختارت ترامب، رغم أن سمعة آل كلينتون الاقتصادية كانت تضمن لها تصويت معظم هؤلاء في الظروف الطبيعية. من الأمور التي أثارها ترامب، ويمكن أخذها بجدية والاستفادة منها، تقليص المساحة المتاحة أمام حركة رأس المال، أي مناهضة حرية السوق التي تؤثر سلباً على أمريكا وليس العكس. منها على سبيل المثال لا الحصر، منع نقل المصانع خارج الولاياتالمتحدةالأمريكية، ورفع نسبة الضرائب على الشركات، التي تنقل مقراتها خارج البلاد، أو تقوم بإنتاج موادها في دول توفر عمالة رخيصة، ثم تأتي لتسويق منتجاتها على الأمريكان. تسوير الحدود المكسيكية الأمريكية، لمنع العمالة غير الشرعية من العمل داخل بلاده، إلغاء القيود المفروضة على شركات النفط بسبب شروط البيئة، أو ما يعرف بحماية البيئة من التغير المناخي. هذه الأمور، وغيرها الكثير، هي من صميم الرأسمالية الحديثة التي كان برنامج الرئيس يستهدفها، دون إغفال التحدي الصيني، والذي ينظر له الملياردير على أنه ليس عداوة مع حضارة، أو قومية صينية، بل مع ما تسببه الصين من خسائر للاقتصاد الأمريكي. هذا ما جعل ترامب موضع ثقة لدى كثير من أبناء شعبه، حينما غاص في خسائرهم الاقتصادية. من هذه المنطلقات، نفهم طبيعة صراع المصالح بين الدول الكبرى، ونفهم أكثر الصراع العبثي الذي يقام على أرضنا العربية، بعناوين مذهبية ودينية، غرضها تأجيج الفتن والنزاعات الدموية، عوضاً عن التركيز على التخلص من الاحتلال، والاستعمار الحديث، وتحفيز الدول على بناء قواعد اقتصادية متينة، قائمة على المنافسة في الإنتاج الصناعي والصناعة الحربية، تماماً، كما كان الصراع بين الولاياتالمتحدة، والاتحاد السوفيتي، حيث الجميع يعمل ليل نهار لمنع الطرف الآخر من اكتساحه. في البداية، خلق الإعلام صورة نمطية عن الرئيس الجديد، قوامها بأنه شخص عنصري وأخرق، ليس لديه ما يقدمه للشعب الأمريكي سوى الشعارات العنصرية، وقد نجح هذا الإعلام كالعادة بتضليل المتابعين وخلق صورة مزيفة عن «الخصم» من خلال شيطنته. لكن الواقع يقول إن الرئيس الجديد شخص عملي وواقعي جداً، استغل الإحباط الشعبي والعاطفة المكبوتة تجاه النخبة الأمريكية، وحول الشعارات البسيطة لمطرقة تدك رؤوس خصومه، أليست قضية «لوكهيد مارتن» دليلا على ذلك؟ * كاتب رأي