تشرفت من جديد بتلقي دعوة مختلفة من أمانة مدينة الرياض، هذه المرة للمشاركة في «الشارع الثقافي» المستمر على مدى أسبوع، وحتى نهاية إجازة منتصف الفصل الدراسي الأول، ولم أفكر حقيقة بعد تلقي الدعوة.. وفي عجالة.. سوى في إقامة «جدارية الكاريكاتير» وهي عبارة عن حائط يمتد على مسافة أمتار ثمانية ويتسامى بارتفاع مترين لا ثالث لهما. شارك معي زملائي من فناني الكاريكاتير الحريصين على عرض أعمالهم في أغلب المناسبات الفنية المشابهة بعدد لا بأس به من اللوحات، وقررنا أن نترك الهامش الأكبر من الجدارية لزوار الشارع الثقافي وأطفالهم. فالمطلوب، في تصوري، هو تعويد المجتمع على المشاركة في المناشط الثقافية والفنية، خصوصا بعد أن عانت هذه الفعاليات من تضييق على مدى عقود. المهم، انطلق الشارع الثقافي يوم الخميس الماضي، وافتتحه معالي م. إبراهيم السلطان، بحيث نتواجد يوميا من الرابعة عصرا وحتى الحادية عشرة ليلا. وبحكم الخبرة الطويلة في هذا الجانب، حيث أفخر بالإشراف على 3-4 فعاليات فنية من هذا النمط سنويا، رجوت من المشرف الفني الذي يعمل معي هذا العام، متطوع نشط اسمه سليمان وهو من طلاب المرحلة الجامعية بالمناسبة، أن يحضر ألف ورقة بيضاء مخصصة لرسم الأطفال (الفئة العمرية بين 6-14 عاما) على مدى الأيام السبعة، ولدهشتنا جميعا.. انقضت الألف ورقة خلال أقل من 3 ساعات من اليوم الأول لفعالية «جدارية الكاريكاتير».. ليس هذا فحسب.. بل إننا أعلنا حالة الطوارئ وأحضرنا المزيد من أوراق وأقلام الرسم.. غير أن المشكلة التي ظهرت عند التاسعة مساء كانت امتلاء الحائط برسوم المشاركين.. بحيث لم يعد لدينا مكان شاغر لتعليق أعمال الصغار! ولن أبخل عليكم بالمزيد من الدهشة التي عشناها.. فقد هرول إليَّ متطوع رائع آخر.. اسمه عبداللطيف وسألني بأدب جم: «هل أترك الكبار يرسمون أيضا؟ إنهم يحرجونني.. وأنا لا أجيد الرفض!» فقلت دعهم يرسمون.. طالما أن رصيدك من الورق سيسمح بمشاركة الصغار.. لا نريد أن نخسر هذه البهجة الطاغية على ملامحهم وانفعالاتهم المضيئة بذروة البراءة يا عبداللطيف. الحقيقة، أننا الآن نعمل على الإعداد لأنشطة اليوم الثالث عند ساعة كتابة هذا المقال، واستنفدنا حتى الآن أكثر من 3 آلاف ورقة مليئة برسوم الصغار وخطوطهم العفوية المشرقة بالتفاؤل.. إلى جانب عشرات الرسومات للكبار من مختلف الفئات العمرية. وأصبح فريق العمل فخورا بعرض لوحات متعددة الطبقات بفعل الزخم الهائل للمشاركة، والسبب هو أن الفن انتقل إلى الشارع، وأصبح ممارسة «مُباحة» ومتاحة للجميع، بعكس العشرات من الفعاليات السابقة، والتي كانت تقام في معارض بعينها، أو مهرجانات يمكن تخمين عدد زوارها بسبب موقع إقامتها. الدرس الثاني يؤكد أن الترفيه لا يعني بالضرورة استيراد فعاليات مُعلبة وتقديمها إلى الناس من خلال سستم «التذاكر» المدفوعة بالشيء الفلاني.. والمنهكة لميزانية الأسرة. كما أن الترفيه لا يعني استقطاب من يسمونهم «نجوم شبكات التواصل»، بل من الأولى منح الفرصة للشباب والشابات السعوديين والسعوديات القادرين على جذب المجتمع إلى فنونهم وممارساتهم الثقافية بشكل عام.. وللحديث بقية أيها الكرام.