أعدت مجموعة من الباحثين دراسة نشرت في مجلة ثروات حول قدرة الشركات العائلية على التنافس في السوق العالمي. وقد وجدنا في هذه الدراسة العديد من الأفكار المفيدة التي رأينا أن نشارك قراءنا فيها. لقد أوجدت ديناميكية الاقتصاد العالمي فرصا متعددة للشركات العائلية في عصرنا الراهن. مثلما خلقت تحديات كثيرة أمامها. وفي ظل حرصها على خوض مجالات نمو جديدة وتعلّم مهارات جديدة وإيجاد قدرات وإمكانيات جديدة والحفاظ على مشاركة أفرادها، أقدمت الشركات العائلية في المنطقة على تكوين تحالفات جديدة كما قامت بإنشاء مشروعات مشتركة وزادت من حجم صادراتها. لكن بالرغم من الاستثمارات الضخمة التي قامت بها العديد من هذه الشركات، فقد واجه بعضها صعوبة في الحفاظ على تواجدها على الصعيد العالمي. وهذا بدوره يدفع لنسأل: ما الذي يمكن للشركات العائلية القيام به لزيادة احتمالات النجاح لعملياتها التشغيلية في الأسواق العالمية؟ تبين الدراسة أن هناك عددا من العوامل الواجب دراستها هنا. وأولها دراسة النتائج الاستراتيجية للتوسع الدولي. فهنا يمكن أن تتساءل الشركة ما الذي تطمح لتحقيقه الشركة والعائلة المالكة لها؟ ماذا ستقدم الشركة العائلية للأسواق العالمية؟ ما أثر التدويل على العمليات التشغيلية للشركة وقيمها وهويتها؟ هذه أسئلة بسيطة لكنها مهمة ويجب على الإدارة أخذها في الاعتبار قبل السعي نحو الفرص الدّولية والتّوسع الخارجي. فبدون الأخذ بعين الاعتبار التبعات الاستراتيجية لهذه المعاملات الهادفة إلى بناء تواجد على الصعيد الدولي وتطوير قدرات جديدة والحفاظ على الشركة على مر الأجيال، قد تقع الشركة العائلية فريسة للتحركات الدولية التي تقلل من قيمتها وتؤدى الى تشتيتها. ويتطلب اكتساب قيمة من الأنشطة الدولية استيعاب التحديات التنظيمية والمالية والتقنية الفريدة التي يجب التعامل معها. وهنا لاحظنا قيام العديد من الشركات العائلية الخليجية بالتدرج في بناء الشبكة الدولية، كما أنها عادة ما تتوسع في البلدان التي تشهد علاقاتها التجارية والاستثمارية تطورا ملحوظا لكي يكون هناك نوع من الاتكاء على هذه العلاقات. ثانيا، يجب أن تفكر الشركة في اختيار الشركاء الدوليين المحتملين. وهنا يلاحظ أن الشركة العائلية تميل إلى التعامل مع شركات عائلية أخرى، خاصة تلك التي لديها أهداف وقيم وآفاق استثمارية مشابهة. إن الوضوح الاستراتيجي حول ما الذي تريد الشركة تحقيقه قد يساعد في تقييم الشركاء المحتملين وقدراتهم ومصداقيتهم كذلك. تتطلب هذه التقييمات تجاوز الأرقام للتوصّل إلى الجوانب غير الملموسة في الشركة المراد التحالف معها مثل جودة الإدارة وقوة المؤسسة ومحفزات ومهارات رصيدها من المواهب وتوافق قيمها مع تلك الخاصة بالشركة. عند إجراء هذه التحليلات، لا تعبّر الأرقام بمفردها عن الصورة الكاملة. وتجربة الشركات العائلية الخليجية في هذا المضمار جيدة لكونها تلجأ في العادة إلى التحالف مع الأسماء المشهورة أو أن تجلب معها حلفاء من الشركات العالمية المعروفة. وثالثا، يجب تخصيص الموارد الكافية للعمل في الأسواق الدولية. وهنا تلجأ العديد من الشركات العائلية لتبني التوجه طويل المدى عند اتخاذ قراراتها حرصا على الحفاظ على الشركة للأجيال القادمة. أي أن الشركات هنا تحاول تخصيص جانب الموارد المتوافرة لديها في الأعمال الدولية ولا تسعى لتخصيص كافة الموارد لكيلا تخاطر بحاضرها ومستقبل أجيالها. ورابعا، تتبع الشركات العائلية في العادة سلسلة من الأنشطة لتأسيس عملياتها التشغيلية الدولية مثلها في ذلك مثل الكثير من الشركات الأخرى، حيث لاحظنا أن الشركات العائلية الخليجية عادة كشركات مصدرة تمنح تراخيص لمنتجاتها وتقنياتها، ثم تُنشئ قنوات التوزيع، ثم أخيرا تؤسس عملياتها التشغيلية في مواقع في الخارج. وكثيرا ما تنضم هذه الشركات إلى تحالفات وتؤسس مشروعات مشتركة تمكّنها من دخول أسواق جديدة والتّزوّد بتقنيات حديثة وتحسين خبراتها. وخامسا، تتطلب إدارة مجموعة العمليات التشغيلية الدولية من الشركات العائلية التركيز على العمليات الداخلية والإدارة ونظم الحوكمة المطبقة بالفعل. ومع نمو هذه العمليات التشغيلية، ستكون هناك حاجة إلى هياكل وأنظمة وعمليات جديدة تضمن جمع وتوزيع المعلومات في الوقت المناسب وكذلك اتخاذ القرارات بفعالية وذكاء. وهذا يجعل من الاستثمارات في تقنيات ونظم المعلومات إلى جانب وجود نظم حوكمة فعالة أمرا جديرا بالاهتمام. وعلى نفس الدرجة من الأهمية، نلاحظ أن الشركات العائلية الخليجية تلجأ إلى مشاركة مختلف أفراد العائلة المالكة للشركة في مجالات معينة كضرورة لتنمية مواهبهم وضمان استيعابهم لكيفية حدوث عملية التدويل. وسادسا، تحتاج الشركات العائلية إلى مكونين رئيسيين للاستفادة من المهارات المتنوعة والمختلفة للشركة عند الدخول في عملية التوسع الدولي. المكون الأول هو تنمية القدرة على خلق ثقافة مؤسسية ونظام يدعم ويشجع التعلّم. فكثيرًا ما تمضي الشركات المزيد من الوقت وتبذل الكثير من الجهد في تتبع منافسيها وعملائها في محاولة منها للتعلّم. ومع ذلك، لا تكرس هذه الشركات القدر ذاته من الوقت أو الجهد لتشجيع "التعلّم الجماعي" حيث يتشارك الموظفون والمدراء خبراتهم ويستفيدون من القيمة الاستراتيجية لهذه الدروس المستفادة. ونادرا ما تكون عملية التعلم تلقائية وعادة ما تتطلب تفكيرا وتحليلا متأنيا من أجل النجاح في التوسع دوليا. المكون الثاني هو وجود الموظفين في بيئة تتيح لهم المشاركة الحقيقية، حيث يمكن أن يتألق الموظفون من ذوي المهارات والقدرات العقلية عند وضع أفكارهم في مواجهة التحديات والاختبارات الصعبة التي يفرضها السوق. وبالتالي، تحتاج الشركات إلى توفير مساحة لهؤلاء الموظفين (خاصة غير المنتمين إلى العائلة) بحيث يمكنهم التأثير على القرارات التي يتم اتخاذها. وأخيرا تحتاج الشركات العائلية إلى الاستفادة من العلاقات التي تقيمها في الأسواق العالمية وذلك للحفاظ على قدرتها الريادية. ويعتمد نجاح وازدهار الشركات العائلية على إقامة علاقات وطيدة مع المصرفيين والموردين والعملاء والمجتمعات المحلية والجامعات والمؤسسات البحثية والمنظمات الخيرية والشركات الأخرى والهيئات الحكومية التي قد تلعب دورا حاسمًا في تزويد الشركة بمعلومات مهمة حول التعديلات المطلوبة على السياسات أو الأسواق أو التقينات. وتوفر هذه العلاقات مؤشرات مهمة عن الظروف التنافسية المتغيّرة، كما تساعد أيضا في تجميع الموارد المطلوبة للقيام بعملية التوسع في الأسواق الدولية وتحليل الفرص وتقييم مدى تقدم سير العمل. ويكرس مالكو وقادة الشركات العائلية قدرا كبيرا من الوقت والجهد للتواصل مع المجتمع المحلي، وهو أمر على درجة كبيرة من الأهمية للوصول إلى إقامة هذه العلاقات وتعزيزها. وتُعد زيارة الشركات ومواقع العمل، وحضور اجتماعات الاتحادات التجارية والمؤتمرات المهمة، والتحدث إلى العاملين في مؤسسات المجتمع المدني والجامعات البحثية من الوسائل المهمة للتواصل وإقامة علاقات مثمرة. كما يمكن لتقنية المعلومات (مثل المؤتمرات التي تتم عبر الفيديو والهاتف) إبقاء مالكي وقادة الشركات العائلية على اطلاع بما يدور حولهم. غير أن كل ذلك لا يغني عن التواصل الشخصي.