رقم مفزع ذلك الذي تناقلته وسائل الإعلام قبل أيام، والمسرّب أصلا من تقارير لشركات التأمين، وفيه أن المملكة تستفيق على معدّل يومي للحوادث المرورية المسجّلة في مختلف مدنها بما لا يقل عن 1400 حادث مروري يوميا! هذا الرقم له تفريعات كثيرة، وعليك أن تخمّن عدد الحوادث المميتة، والحوادث التي ينتج عنها إعاقة دائمة، وغيرها من أصناف الحوادث المرورية الجسيمة، وصولا إلى الحوادث السخيفة من فئة «الدقشة». ولو أعملنا وعينا وفتحنا المجال لتحليل عقلي كي نتأمل المشهد، حق لنا أن نتخيل عدد الأيتام والمتضررين من عجز ذويهم بعد هذه الحوادث، والبعد الاجتماعي والإنساني المترتب على هذا. قلت أكثر من مرة إن القضية المرورية في المملكة ليست قضية سرعة، ولم تكن يوما قضية سرعة في مجملها، بل هي قضية سلوك مروري ناشئ عن «عك» في هندسة طرق، وغياب أدوات ردع، وضعف الرقابة التقويمية للسلوك المروري على مستوى المواطن والمقيم، الأمر الذي نشأ عنه هذا الواقع المخيف من نسبة الحوادث. كلنا نعيش يوميا من يتخطى جميع الواقفين احتراما للإشارة الحمراء (مستخدما المسار الأيمن) ليوقف سيارته في المركز الأول بعد خط المشاة، ولا مانع لديه إطلاقا في إغلاق مسار الاستدارة إلى اليمين إن سبقه غيره إلى تلك الخانة، فالطريق مِلكٌ له وحده كما يظن. ولا عجب في أن يقطع المئات الإشارة المرورية الحمراء في التقاطعات طالما أنها غير مغطاة بكاميرات «ساهر»، ولا جديد في أن يسد اثنان المسار الأيسر في وجه الناس لأنهما مشغولان بقبول أو رفض دعوة على العشاء، ولا هلع في أن يقرر مستهتر أن يرد على محادثة واتساب على طريق سريع.. دون اكتراث بحياة من أمامه في الطريق ومن خلفه. حتى خارج المدن، ليس من المستغرب أن يقرر سائق شاحنة عملاقة الاستدارة بشكل كامل (يوتيرن) دون أن يتأكد من خلو طريق السفر هذا من سيارات تحمل عوائل عن بكرة أبيها. وفي هذا تأكيد على أن المسألة مرتبطة بالسلوك وليس بالسرعة فقط. ومن أخطر ما يسبب المآسي المرورية تدني الحس الأخلاقي في سلوكيات قائدي المركبات، وفي التغاضي عن هذه السلوكيات هبوط بالسلامة المرورية إلى القاع، وتدمير لقيمة وطنية كبرى، وهي رأس مال كل أمة، إنها بكل وضوح سلامة العنصر البشري الذي تقوم عليه نهضة كل مجتمع.