يشهد العالم اليوم متغيرات متلاحقة في شتى مناحي وميادين الحياة، وفي خضم تلك التغيرات والتحولات السريعة وجدنا انفسنا في زخم لا نهاية له من التطورات التكنولوجية وتطور ميادين العلم والبحث، وحدثت تغيرات غير مسبوقة في مسارات الاعمال ونظم الادارة تأثرت بما افرزته الثورة التكنولوجية من معلومات ومعارف جديدة، ووجدنا انفسنا نتحرك تدريجيا نحو اساليب واداءات جديدة وحديثة لم نعهد بها من قبل، وهذا ما جعلني أطرح سؤالا جال بخاطري وهو: هل استطاعت ثورة المعلومات والتطور التكنولوجي أن تغير نظرتنا إلى اطر العمل ونظمه وثقافته؟ هنا وجدت نفسي أجيب عن هذا التساؤل بلا تردد لأقول نعم!! ان الامر بات مختلفا اليوم فقد احدثت الثورات التكنولوجية تغيرات فعلية في ثقافة الادارة ونظمها، والدليل على ذلك فقد تحولت الادارة من مجرد مستفيد من المعرفة إلى مستوى فوقي يتحكم فيها ويستخدمها لتحقيق اهداف ادارية اكثر اتقانا، بل بات الامر اوسع استخداما واكثر ابداعا، فقد تغيرت ثقافة الادارة نتيجة لتغير المعرفة وانبثاق رؤى واطروحات عديدة تشير إلى اهمية استثمار المعرفة في تحديث النظم الادارية، لذا فاننا الان في ظل تلك الثقافة المعرفية المتطورة لم نعد نتابع التحول من بعيد بل نسعى إلى الاستيعاب الواعي لتلك الثقافة ونعمل على طرح الآليات التي يمكن ان تسهم في انجاح تفاعلنا معها واستثمارها، فالمعرفة ليست مجرد نتاج للتقدم وانما هي وسيلة استراتيجية هامة لاحداث هذا التقدم. من هنا فان استيعاب المعرفة واستثمارها كوسيلة لادارة واحداث التقدم والتطوير بات مهمة ومطلبا تنمويا لصياغة السياسات والاستراتيجيات الادارية لتحقيق الاهداف التنموية المنشودة، ليس ذلك فقط بل نجد ان الاستيعاب للمعرفة يعد مصدرا لبلورة الأطر المستقبلية للثقافة الادارية ومن ثم تغير الرؤى لكافة الابعاد الادارية والاستراتيجات والاساليب الفنية لتطبيق تلك الاستراتيجيات. حقيقة ان الانفجار المعرفي يتطلب منا ان نتعلم كيفية ادارته لصالح البرمجة التنموية في ظل السباق الحضاري الضاري، وخاصة ان ادارة المعرفة اصبحت احد المداخل الاساسية في نظم الادارة الحديثة اليوم، وهنا تعد عملية تجسير الفجوة بين المعرفة والعمل احد المهام الهامة من قبل المتخصصين في الادارة وذلك لانتاج مخرجات معرفية تشجع على الابداع والابتكار، ولذا باتت الموارد البشرية وتنميتها اهم استراتيجيات التنمية لان الموارد البشرية هم مالكو وصناع المعرفة وعندما ننجح في استثمار البشر، فنحن بلا شك نكون قد استطعنا استثمار المعرفة، وعندما نقول ان هناك تغيرا في ثقافة الادارة يؤثر فينا ونتأثر به، فنحن نعترف باهمية فهم واستيعاب ما حولنا من متغيرات والعمل على مواكبتها واستخدامها لصالح اهداف التنموية، فيجب تنمية مواردنا البشرية على امكانية استثمار المعرفة وصياغتها واستخدامها لضمانها والحفاظ عليها من الضياع، فالخبرات والتجارب الناجحة او حتى الفاشلة هي بمثابة معرفة تحتاج إلى تنقيح حتى نستفيد من التجارب الناجحة ونتجنب الفشل او الاخفاق في اعمالنا المستقبلية. وعليه فان بناء ثقافة مؤسسية قائمة على المعرفة غدت احدى دعامات النجاح في منظومة الاقتصاد المبني على المعرفة، وهذا ما رأيناه في ظل الاهداف الطموح التي تتبناها رؤية السعودية 2030، وما تطرحه من قرارات ادارية تستهدف اعادة هيكلة بعض الوزارات وانشاء هيئات عامة جديدة ومن بينها هيئة عامة للثقافة يرأس مجلس ادارتها وزير الثقافة والاعلام، وذلك ايمانا بأهمية الثقافة ودورها في تشكيل الوعي الايجابي بالمجتمع، وغيرها من القرارات الطموح التي تستهدف اثراء الموارد البشرية واستثمارها والحفاظ على رأس المال البشري وتدريبه وتطوير اساليب الاداء الخاصة به، كل هذا من شأنه الاعلاء بقيمة الكوارد البشرية وتحقيق الميزة التنافسية المستدامة.