في بعض أنحاء مدينتنا، تناقش المشاكل خلف أبواب مغلقة؛ حيث تدمع عيون وتحمر خدود ويتعالى صراخ. في مدينتنا، لا تناقش مشاكلنا امام الغرباء، ولا توثق بقلم وحبر، ولكنها توثق في القلوب وتنقل من جيل الى جيل. ومع الأسف، فإن أكثر ما ينقل هو الامور السلبية، لانها تشد المستمعين وتلهب خيال المتخاصمين والمنتفعين. ومن احدى مشاكل مدينتنا «تقسيم الورث»! أثناء حياة رب الاسرة، تتجمع الأسر أسبوعيا حيث يتوافد في ذلك اللقاء الأبناء والبنات والأرحام والأطفال، حيث تتداول الأخبار والسوالف. في ذلك اللقاء الاسبوعي، كل يسأل عن صحة الاخر وهمومه ويتبرعون بمساعدته. كما يستغل الاجتماع الاسبوعي، للولوج الى ذكريات الماضي والتي تزيد المتواجدين في اللقاء ألفة. ولكن بعد وفاة رب الاسرة، تدخل الاسرة في منعطف خطير مظلم يكسر قوتها ويضعف هيبتها! فبعد الوفاة يتنازع الاخوان في تحديد مكان دفن الأب وتوقيته! فهل يدفن في الدمام ام في الاحساء؟ وهل يدفن ظهرا او عصرا؟ بل ويتنازعون في تحديد مكان العزاء، وقد ينقسم الى مكانين في نفس المدينة او الحارة! بعد العزاء، تدخل الاسرة في نفق مظلم اخر، وهو صرف مستحقات رب الاسرة من التأمينات الاجتماعية وغيرها. وللحصول على ذلك، يتطلب الامر الولوج الى بوابات المحاكم لاستصدار صكوك «حصر الورثة» و«توكيل شخص ما» لمتابعة امور الاسرة. وهذه العملية قد تتطلب 3-4 اشهر حسب الظروف. طبعا، في هذه الأثناء، لا يصرف للاسرة راتب من تقاعد والدهم او مستحقاته، وقد تضطر بعض الأسر للتسول من الاقارب! وأثناء ذاك، يبدأ أفراد الاسرة بالتفتيش على وثائق والدهم ونقوده الموجودة داخل البيت. كما يبدأون بالتقصي عن حساباته البنكية وعن عدد عقاراته واسهمه في الشركات. وأثناء مداولات تقسيم الورث يتعمق نزاع الاخوان والأخوات فيما بينهم، فالبعض يريد تصفية الشركة التي تعب والده في انشائها وتكوين سمعتها، بينما البعض يريد فقط بيع العقارات والمزارع. واثناء النزاع تتدخل القوات الحليفة لكل طرف من الازواج والزوجات والأبناء والأصدقاء والأعداء. ولك ان تتخيل منظر الأبناء والبنات وهم يتنازعون امام القاضي وكل يرفع صوته على الآخر ويخونه! ليس هذا فحسب، بل ينتج عن ذلك تعطل لاعمال شركات الاسرة، فتتوقف رواتب العمال وتشل حركة الشركات وقد تعلن افلاسها. ويطال ذلك تدهور في صيانة العقارات والمزارع. وهكذا يتدهور وضع الاسرة التي كانت متماسكة ومتراحمة في وقت ما. ونتساءل هنا: ألا توجد حلول عملية للتقليل من مشاكل «تقسيم الورث»؟ اعتقد انه توجد حلول منها، إنشاء هيئة متخصصة تحت مظلة وزارة العدل للتعامل فقط مع مشاكل الورث بحيث تكون اكثر تخصصية وديناميكية واكثر تفهما. ويقترح ايضا ان ينشأ نظام يحدث سنويا من قبل رب الاسرة يحوي المعلومات الخاصة به، التي لها علاقة بالورث مثل عدد الاملاك والحسابات البنكية.. الخ. ويقترح ايضا ان تعين الاسرة قبل وفاة من يعولها، وكيلا لها. كما يجب ان تعد تشريعات لتسريع إنهاء قضايا الورث بسرعة بدلا من الانتظار قرونا لانهائها. ويقترح ايضا، ان توجد آلية لصرف راتب رب الاسرة التقاعدي بمجرد الوفاة.