لسنوات عدة، اتخذت السلطات في الصين نهجا متوازنا فيما يتعلق بأسعار المساكن، فقد أرادت سوقا لا تكون ذات أسعار عالية فوق الحد ولا ذات أسعار متدنية كثيرا، واتخذت التدابير اللازمة للتحكم في الأسعار. على الرغم من أنه لم يتم الإعلان أبدا عن هدف صريح لأسعار هذا النوع من الأصول، كان يفترض على نطاق واسع بأن الحكومة أرادت أن تنمو أسعار المساكن وفقا لمعدل النمو الاقتصادي. لتحقيق ذلك الهدف، نشر التكنوقراطيون في بكين مزيجا من التحفيز النقدي والتدابير التنظيمية. عندما أصبحت الأسعار محمومة، قاموا بكبح جماح نمو الائتمان، وطالبوا بأن تكون الدفعات المقدمة للقروض العقارية أعلى من قبل، وفرضوا قيودا إدارية على من يمكنه الشراء في تلك المدن. عندما بدأت الأسعار في الانخفاض، حاولوا تسهيل الائتمان وزيادة عدد الوحدات التي يستطيع الناس امتلاكها. لكن في السنوات القليلة الماضية، مع ركود النمو الاقتصادي، أصبح المخططون أكثر تسامحا وتحملا لارتفاع الأسعار، حتى مع ظهور إشارات لوجود فقاعة. تظهر البيانات الرسمية وصول نسبة السعر إلى الدخل إلى مستوى 9.2 بالمائة في نهاية عام 2015، واستمرت أسعار المساكن في الارتفاع بشكل كبير منذ ذلك الحين. وكل هذا أدى إلى حدوث بعض التشوهات على نطاق واسع. اعتاد أصحاب المساكن في الصين على رؤية العائدات العقارية الكبيرة بأرقام قريبة من خانتين على أنها حق مكتسب لهم، وكأنه رهان ثابت مضمون على قدم المساواة مع الموت والضرائب. وفقا لإحدى الدراسات، أكثر من 70 بالمائة من ثروة الأسر الصينية هي في قطاع الإسكان. يعتقد المستثمرون أن هنالك ضمانا ضمنيا بأن الحكومة لن تسمح بحدوث انخفاض في أسعار المساكن، حتى وإن كان هناك الكثير من المباني الفارغة. في الوقت نفسه، دخلت البنوك في فورة إقراض: حيث ارتفع إجمالي القروض العقارية المستحقة بأكثر من 30 بالمائة وبلغت نسبة نمو القروض العقارية الجديدة 111 بالمائة خلال العام الماضي. منذ يونيو من عام 2012، توسعت القروض العقارية المستحقة بمعدل سنوي بلغت نسبته 30 بالمائة. وكما هو متوقع، عمل هذا على دفع الأسعار لترتفع أكثر فأكثر. في المناطق الحضرية من الصين، ارتفع متوسط سعر المتر المربع الواحد للمنزل إلى 1841 دولارا، بالمقارنة مع 1421 دولارا في الولاياتالمتحدة. في المدن من الدرجة الأولى مثل بكين وشينزين، ارتفعت الأسعار بحوالي 25 بالمائة خلال العام الماضي. ارتفع مؤشر يشمل 100 مدينة من تجميع شركة SouFun سوفان القابضة بنسبة تبعث على القلق بلغت 14 بالمائة خلال العام الماضي. تقوم شركات التطوير العقاري بشراء الأراضي في بعض المناطق الرئيسية التي تحتاج إلى أن تبيعها بسعر 15 ألف دولار للمتر المربع الواحد لمجرد الوصول إلى نقطة التعادل بين التكاليف والإيرادات. عندما حاولت الحكومة بفتور كبح الجماح، تكاثفت الجهود الرامية إلى التلاعب بالنظام. كان يتعين على شنغهاي مؤخرا دحض الشائعات التي قالت إنها كانت تخطط لتشديد قيود الملكية للمتزوجين بعد أن اكتظت مكاتب المدينة بأزواج يسعون للحصول على «الطلاق» حتى يمكنهم الاستمرار في شراء الممتلكات. تطور قطاع الصناعة بأكمله لمساعدة الناس في إثبات أن لديهم المبلغ المطلوب من الأصول المالية اللازمة للحصول على القرض العقاري. من المؤكد أن بنك الشعب الصيني لا يريد أن يعتقد الناس بأن قطاع الإسكان هو عبارة عن رهان باتجاه واحد. كان «ما جون»، كبير خبراء الاقتصاد في مكتب البحوث التابع لبنك الشعب الصيني، صريحا جدا في الآونة الأخيرة في التحذير من حدوث فقاعة. لكن في الوقت الراهن، لا أحد يعتقد بأنه سيسمح للأسعار بالانخفاض بشكل كبير. الخطوة الأولى، كما هي الحال مع أي إدمان، تكمن في أن يعترف القادة الصينيون بأن هنالك مشكلة وأن يتحركوا رسميا بعيدا عن هدف النمو الضمني الخاص بأسعار الأصول. تماما كما قامت الحكومة بتبني ما يسمى «بالوضع الطبيعي الجديد» للنمو الاقتصادي المنخفض، يتعين عليها الاعتراف بوضع طبيعي جديد في أسعار المساكن والذي لا يفرض تدابير لتشديد أو تسهيل الائتمان كل بضعة أشهر من أجل الوصول إلى هدف نمو غير مستدام. يتعين على القادة تقبل فكرة أن السماح لأسعار الأصول بالانخفاض يمكن أن يكون أحيانا أمرا صحيا، وأن محاولة دعمها يمكن أن تؤدي على الأغلب إلى نتائج عكسية. يمكن أن تكون الفقاعة المنفجرة بمثابة كارثة: الأموال اللازمة لإنقاذ سوق العقارات سوف يتضاءل أمامها مبلغ مئات المليارات الذي استُخدِم لدعم سوق الأوراق المالية في العام 2015. من خلال الاستمرار في السماح لأسعار المساكن بالارتفاع بهذا الشكل العجيب، يعمل بنك الشعب الصيني بشكل كبير على زيادة المخاطر بوقوع مثل هذا التصحيح الشرس. ورغم أنه ربما سيكون من الصعب على المستثمرين تحقيق أرباح من تباطؤ النمو في أسعار العقارات، إلا أن هذا يعد بديلا أفضل بكثير من انفجار الفقاعة. المسار الذي اتبعته الحكومة الصينية في استهداف أسعار الأصول وصل إلى نهايته ولم يعد هناك مجال للمزيد.