قديما لم تخلع الالقاب على أصحابها إلا باستحقاق وجدارة، لكن يبدو أننا في عصر استسهال الالقاب إلى درجة الاستهتار بها وبقيمتها؛ والفضل في مثل هذه الحالة المتردية من خلع الالقاب على منهم ليسوا أهلا لها مرده شبكات التواصل الاجتماعي وقوة انتشارها، فمن خلالها بتنا قادرين على أن نخلع الألقاب كيفما اتفق؛ وعلى من يستحق ومن لا يستحق؛ وقد خرجت بمثل هذه النتيجة بعد جولة في أحد مواقع التواصل الاجتماعي تلك؛ وكنت وقتها أبحث في أحد التطبيقات الخاصة «بالسناب شات» فإذا بقائمة طويلة عريضة سميت مشاهير «السوشل ميديا» وهذا طبيعي جدا في ظل التحول الكبير والهجمة الشرسة لتلك القنوات الحديثة؛ بيد أن الأمر الذي هالني فعليا؛ واسترعى انتباهي واقعا تلك الألقاب التي خلعها بعض هؤلاء المشاهير على أنفسهم؛ ومن أبرزها؛ واكثرها انتشارا: (مشهور سوشل ميديا)؛ و (ونجم شبكات التواصل الاجتماعي). من العجيب الغريب أن هذه الألقاب كتبت باختيار من الشخص نفسه؛ بمعنى أن كل من يسجل في هذا الموقع عليه أن يخلع على شخصه لقبا؛ وبالتالي فتلك الشهرة والنجومية منحها هؤلاء الأشخاص لأنفسهم؛ في ظل غياب المعايير عن هذه القنوات؛ ولكون قنوات التواصل الاجتماعي ساحة مفتوحة للعبث؛ ومجالا حرا للفوضى؛ الأمر الأشد غرابة أن المعيار المتداول هنا هو كثرة عدد المتابعين؛ فلمجرد أن يزداد عدد متابعيك فأنت مؤهل للشهرة والنجومية المزعومة؛ بغض النظر عما تقدمه؛ او ما تعلن عنه شخصيتك من مواهب وإمكانات؛ ودليل ذلك أن هذه الشهرة والنجومية منحت لأشخاص أقل ما يقال عنهم إنهم مصدر للقرف والسماجة؛ فلا رقي ولا وعي ولا ثقافة؛ والأمثلة لا تعد ولا تحصى. هذا الاستسهال جر من ورائه مسألة ذات بعد آخر؛ هي استسهال لقب (إعلامي)؛ حيث إن غالبية نجوم «السوشل ميديا» يدرجون أسماءهم تحت صفة (إعلامي)؛ ربما لأنهم لا يمتلكون من المواهب شيئا؛ وربما لا يعون ولا يدركون معنى مصطلح إعلامي؛ او لربما وجدوه اللقب الأسهل في الوصف فاستباحوه حد الاستهلاك، ولن أطالبك عزيزي القارئ سوى جولة سريعة في قوائم مشاهير «السوشل ميديا» المنتشرة على صفحات الإنترنت لتشهد بنفسك إعلاميين لا يملكون من الإعلام سوى اللقب ولا غير!! نعلم بأن ذلك بات حقا مشروعا للجميع؛ أعني بعد أن بدلت قنوات التواصل الحديثة من مسار المنصات الإعلامية بتحويله من ملكية النخبة إلى ملكية عامة الناس؛ وأن كل إنسان بات يحمل بين كفيه قناته الإعلامية الخاصة؛ ودون رقيب أو حسيب؛ هذا كله نعلمه تماما؛ لكننا نناقش مصداقية الأفراد مع أنفسهم على أقل تقدير؛ فغياب هذه المصداقية والفهم العميق للأمانة الإعلامية انحدر كثيرا بالذوق العام، وسطّح الثقافة المجتمعية فتحولت إلى هرج ومرج وإسفاف وسماجة ما بعدها سماجة؛ فكثير من هؤلاء النجوم الشبكيين إن ساغت التسمية خلع على نفسه اللقب فصدق نفسه؛ تماما كذاك الذي كذب كذبة وهو أول المصدقين لها؛ وتكبر الكذبة وتنطلي على الآخرين من البسطاء والسذج؛ فيكثر المتابعون ويتضخم اللقب وما هي إلا بالونة من هواء؛ تتورم وداخلها خواء؛ ويزداد الأمر سوءا حين تروج الجهات الرسمية لهذه الألقاب الوهمية وأصحابها في مناشط مجتمعية كبيرة وفي تجمعات جماهيرية ضخمة وكأنها تصادق على الخلل وتدعمه وتكرسه؛ وهذه في حد ذاتها كارثة الكوارث.