إن أحد التناقضات التي نعاني منها أخلاقيا ودينيا وثقافيا أن معظمنا يحفظ عن ظهر غيب كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحرم التبذير وتدعو إلى حفظ النعمة، بينما التبذير الفاحش يكتسح نمط عيشنا، فنفاياتنا المنزلية ومشاكلها المتفاقمة على سبيل المثال تفصح عن ذلك، وتبدأ مشكلتها من اكتنازها بفائض كبير من الأطعمة ومجموعة مواد استهلاكية مدمرة بالبيئة (والتي معظمها عبارة عن سلع رديئة ومنتجات ضعيفة تفنى فائدتها سريعا) ثم نجد أنفسنا أمام مشكلة أخرى تتعلق بمعالجة هذه النفايات وتدويرها، وأيضا التلوث الذي تحدثه في البيئة نتيجة عدم استغلالها بالشكل الأمثل، وهذا اسراف وهدر آخر.. حيث تشير الدراسات العلمية إلى ان انتاج الفرد السعودي من النفايات المنزلية هو من أعلى المعدلات العالمية، وهذا يدلل على أن قماماتنا مختنقة بطريقة مريعة تخالف كل قواعد الاتزان في الاستهلاك.. الهدر الآخر يتعلق أيضا بأسلوب تخلص البلديات من هذه النفايات والذي يتم من خلال دفنها في مناطق المرادم وهي طريقة فيها ضياع لكثير من الموارد التي يمكن استغلالها فيها، والتي منها انتاج الطاقة وإنتاج السماد من المواد العضوية الموجودة فيها، إضافة إلى أن ما يتم تدويره من اجمالي النفايات في المملكة والذي يبلغ أطنانا من الملايين لا يتجاوز 5% فقط! ومع تفاقم مشكلة النفايات ومعالجتها نرى ان هناك حلولا مطروحة تتعلق بفرض رسوم عليها.. والتساؤل هنا هل الرسوم التي ستفرض ستساهم في ايجاد حل لمشكلة هدرها؟ هل ستترجم هذه الرسوم على شكل عوائد يستفاد منها في تدوير النفايات واستخدامها كموارد لإنتاج الطاقة وغيرها من وسائل الاستغلال الأخرى؟.. إن لم يكن ذلك فهذا يعني أننا نعالج الاستهلاك والهدر بأسلوب آخر أكثر هدرا واستنزافا.. هل أصبح الاستهلاك السعودي في نمط عيشه على مستوى الأفراد وأيضا الحلول المقدمة لمشاكله من قبل الجهات المعنية قائما على (سمة الهدر العشوائي)؟ لماذا نتعامل مع كل مواردنا على أنها موارد لا نهائية ولا تنضب، ولا نشعر بالقلق من مستقبل الغد، والأسوأ من ذلك أننا نستنزفها بضمير مرتاح وأعصاب باردة!! هل نحتاج إلى فاقة أو كارثة لنستفيق وننتبه.. ربما ذلك؟ لكن حينها لن تكون مقاليد السيطرة في ايدينا، وستكون الخيارات التي أمامنا محصورة وملزمة ونقدم عليها والندم يكتسحنا على التفريط في رغدنا القديم.. الاقتصاد والمال عصب حياة الدولة والأفراد، ترتكز عليه كل مناحي حياتهم الاجتماعية والسياسية والأمنية، بل هو القائد لها في معظم الظروف، إذا انعطب او اختل هذا العصب اختلت معه كل الموازين.. الاستهلاك الفاحش يطال جل مظاهر حياتنا يطال حتى مظهرنا الخارجي الذي أصبح سمة المواطن السعودي والخليجي بشكل عام، والذي تغزو ملامحه حب المباهاة؛ في الملابس والساعات والأجهزة الالكترونية والسيارات والأثاث وغيرها وانتهاء بنمط الترفيه القائم على السفر وكثرة الحفلات والبذخ الزائد في المناسبات الاجتماعية المختلفة.. ويبدو أن هناك مجموعة عوامل فاقمت مشكلة الاستهلاك عندنا إلى أقصاها، فعلاوة على التقليد والتنافس الشرس بين الأفراد في حب المظاهر والمفاخرة، أصبحت قيم الاستهلاك متوارثة في سلوك أبنائنا، لأنهم نشأوا منذ الصغر على نمط استهلاكي مفرط يعتقدون انه هو النمط الطبيعي لطريقة العيش الاعتيادية وهذا النوع من الوعي يصعب تغييره بالوعظ أو التنبيه، لأن الإنسان بطبعه يستمرئ الخطأ إذا شاع في ثقافته.. على كل حال قد نكون بصدد مشكلة كبيرة في سلوك الأفراد الاستهلاكي خاصة عندما يكون متوسما فيه، لكن الأخطر ان يكون سمة عامة تمس استمرار استهلاك الموارد العامة للدولة وأحيانا هدرها.