كنا في أعياد الحج الماضية نبحث عن ثقب نرى من خلاله ضوء أمل نسعد بضوئه ولو للحظات.. فضاقت علينا الأرض بما رحبت واستحكمت حلقات الضيق ونحن نتعامل مع هذه الأزمات وصانعيها بحسن الظن وتوقع الفرج حتى ظن أعداء الله والدين أن هذا ضعف منا وعدم تخطيط أو حتى عدم فهم، ولكن هذا العام قام الأسد الهصور وانتفض وأسمع زأرته الخافقين فانحشرت خفافيش الظلام واختبأت ثعالب المكر وكل من كان يصطاد في الماء العكر وانطفأت نيران حقدهم وثبت لديهم صدق ما نرمي إليه من السلم والسلام وصدقت قوتنا لديهم وارتدع المشعوذون عندما فتحوا عيونهم ورأوا أنفسهم في منطقة لايحسدون عليها. وبدأ الأفعوان يموت بسُمِّه عندما أطبقت عليه أيادي الأبطال وبدأ يختنق ويموت موتاً بطيئاً.. وصعَّد الحجاج من مكة إلى عرفات الله.. وبعدها فوّج المسلمون من منى وعرفات إلى المزدلفة فرحين مستبشرين آمنين ومن ثمَّ نحر الأضاحي، بدأ الحجاج يلملمون أمتعتهم ويشدون رحالهم استعداداً للعودة إلى بلدانهم وأهليهم سالمين غانمين.. بلادنا وولاة أمورنا لا يتعاملون بالدس والخداع وإثارة الفتن واستثمارها من الجوانب السلبية، لقد جاء قائدنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وأغلب المسؤولين جاءوا إلى الأماكن المقدسة وراحوا يشرفون على التصعيد والتفويج وعلى راحة الحجاج فلم يستطع الجرذان المخربة وأعداء الدين والأمة العبث وبث الفتنة فانقلب السحر على الساحر.. فرأينا رأي اليقين أن يد الله صارت فوق أيديهم وتهاوت أركان الظلمة وحاق بالذين ظلموا ما كانوا به يستهزئون ولم ينفعهم تكتلهم في الظلام فولاة أمرنا وشعبنا العريق بوحدته وإسلامه ورفع راية: لا إله إلا الله محمد رسول الله نصروا الله فنصرهم لأنهم اعتصموا بحبل الله فأعزهم وكانت راية التوحيد هي قائدهم فاجتازوا السحب ونافوا على شُم الجبال فلم يحسوا بالضعف والخور.. كنا نعيش مع الأمل بالله وصدق قول القائل في الأمل: إن الأمل هو الانتظار للأجمل وانتظار تحقيق شيء ما أو تحقيق حلم أو تحقيق طلب أو هدف ما.. قال رضا المصري: وقد ورد كثير من الأحاديث النبوية الصحيحة التي لا تدع مجالاً للشك في أن المستقبل للإسلام، فمن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها). وقوله صلى الله عليه وسلم: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله وذلاً يذل الله به الكفر). فلا بد للإسلام أن يظهر وأن ينتشر وأن يسيطر، وما تحقق في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم إلا جزء من هذا الوعد الصادق. إن الإنسان المسلم مأمور بأن يكون حسن الظن بإخوانه المسلمين ولا يجوز له إساءة الظن بهم لذلك برغم السنوات الماضية التي تكالب علينا فيها ضباع المجوس وكلاب الفرس وذئاب الأقطاب من هنا وهناك إلا أننا كنا نحسن الظن ونغض الطرف ونتعلق بحبل الله ونلتزم بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ووقانا الله شر أولئك بفضله وكرمه وانطبق علينا قول القائل: (يقيني بالله يقيني) وهذه سنة الله في خلقه. فكثيرا ما نرى الناس يعيشون ويتحملون المصاعب والآلام على بريق الأمل والرجاء: كما أن الإنسان في حياته مُعرض للمحن والابتلاءات والمصائب وعلى العاقل المؤمن أن لا ييأس ولا يقنط، بل يصبر ويحتسب ويكون واثقاً في ربه على الدوام. فلنحيا إذن بروح الأمل ولنجعله زاداً لنا يدفعنا إلى الحياة والجد والعمل. فبالأمل تنمو شجرة الحياة ويرتفع صرح العمران، ويشعر المرء بالسعادة والبهجة. يقول ابن القيم في مدارج السالكين: ( الرجاء حَادٍ يحدو القلوب إلى الله والدار الآخرة فيطيب لها السير...). وقيل أن الأمل هو الاستبشار بجود وفضل الرب تبارك وتعالى والارتياح لمطالعة كرمه سبحانه والثقة في جوده تعالى، فلم يخيب الله هذه الثقة.