يقول الله تعالى :(وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) غافر /60 وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) رواه مسلم. فالدعاء أخي المسلم هو تلك العبادة الروحية العظيمة التي يحس فيها المخلوق بعظمة الخالق حيث يلجأ العبد إلى ربه بعد أن تنقطع عنه الأسباب وتعجز عنه الحيل وتتخلى عنه الماديات فيتوجه تلقائيا إلى خالقه وبارئه لينال عنده الشعور بالطمأنينة والراحة والسكن والأمن وليجد ما لم يجده عند البشر من عطاء، كيف لا وهو لجأ إلى رب الأرباب وملك الملوك الغني الحميد القادر على كل شيء والقادر على أن يحقق للعبد ما يريده. وصدق من قال: من أنزل همه بالناس زاد ومن أنزل همه بالله زال لأنه عندما ينزل همه بالناس يزيدونه هما على هم لكنه إذا أنزله بالقادر سبحانه وتعالى فهو يزول لأن الله سبحانه وتعالى إذا قال للهم زل سيزول بإذنه وقدرته سبحانه لأنه على كل شيء قدير. ولنا في نبينا الأسوة الحسنة فالله سبحانه وتعالى يقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) فلقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن عندما تضيق به الأمور وتكثر عليه الأحزان فعليه أن يلجأ إلى الله عز وجل فهو وحده سبحانه الكاشف لها ويتضح ذلك جليا عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف سنة عشر من البعثة ليدعو أهلها إلى الإسلام لكنه لم يؤمن به أحد بل أغروا سفهاءهم وعبيدهم ليرموه بالحجارة ووقفوا له صفين وهم يرجمون عراقيبه حتى اختصب نعلاه بالدماء وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه ولم يزل به السفهاء كلذك حتى ألجأوه لحائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على ثلاثة أميال من الطائف فلما التجأ رجعوا عنه وأتى الرسول حبلة من عنب فجلس تحت ظلها. وهنا يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية اللجوء إلى الله عز وجل أن يكشف ما بنا من ضر فهو سبحانه أرحم الراحمين في هذه اللحظات يرفع الرسول يديه إلى السماء ويدعو بهذا الدعاء الجامع الذي يقول فيه: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الكريم الذي اشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك). ولرب ضائقة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج وصدق من قال: ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج فعلى المؤمن أن يلجأ دائما إلى الله تعالى بالدعاء ويعلم أنه لا يرد القضاء إلا الدعاء فليكثر من الدعاء في كل أحواله أن يصلحها الله عز وجل له يدعو الله أن ينصره على نفسه لأنه إذا انتصر عليها كان على غيره أقدر ويدعو الله أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين وأن يخذل الشرك والمشركين ويدمر أعداء الدين ولكن عليه أن يدعو وهو موقن بالإجابة. فلو انتبه المسلمون لوجدوا بين أيديهم سلاحا يعجز أي مصنع حربي في العالم كله أن يصنعه وهو الدعاء ولكن هذا السلاح لا يؤدي المفعول ولا النتيجة المرجوة منه إلا إذا أخرج من قلب خالص موقن بقدرة الله عز وجل فاستخدموا هذا السلاح أيها المسلمون ولا تغفلوا عنه حتى لا يصدأ في أيديكم وينتصر عليكم الأعداء بسبب نسيانكم لهذا السلاح وتعلقكم بالدنيا وكراهيتكم للموت. آداب الدعاء اعلموا أن للدعاء وللذكر آدابا كثيرة يجب أن يتحلى بها الداعي وأن ينتبه إليها ومن هذه الآداب: 1. الدعاء بباطن الكف: لما صح عن مالك بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سألتم الله فاسألوه بباطن أكفكم ولا تسألوه بظهورها). 2. إذا دعا فليعزم المسألة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت , اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له). 3. حسن الظن بالله تعالى يقول الله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون). 4. الاعتراف بالذنب: فعلى العبد أن يعترف بالذنب ويقر بالخطيئة وفي هذا العمل كمال العبودية لله سبحانه وتعالى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم). 5. للداعي أن يبدأ بنفسه في الدعاء: يقول الله سبحانه وتعالى (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان). 6. خفض الصوت: بحيث يكون بين مرتبتي السكوت والجهر لقول الله تعالى (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين). وغير ذلك من الآداب الكثيرة التي يستحب أن يقوم بها الداعي أثناء الدعاء حتى يكون دعاؤه موافقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعيدا عن البدع ومقبولا إن شاء الله لدى رب العالمين. وعلى المسلم أن يحافظ على الأوراد المشروعة في حله وترحاله حيث أنها تكون له بمثابة الحصن الحصين من الشياطين وتحفظه من كل سوء إذ أنه في قيامه بها يذكر ربه سبحانه وتعالى ويقتفي أثر النبي صلى الله عليه وسلم ويحفظ نفسه من كل سوء فليحافظ على أذكار الصباح والمساء وعلى الدعاء الوارد قبل الخلاء وعند الخروج منه وعند إتيانه أهله وعند السفر وعند العودة منه وعند دخول قرية جديدة نزل بها وفي كل أحواله يحافظ على هذه الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم متمثلا قول الله تعالى: (الا بذكر الله تطمئن القلوب). وعلى المؤمن أن يدعو الله عز وجل ويداوم على ذكر الله في جميع أحواله في السراء والضراء في المكره والمنشط في العسر واليسر متمثلا نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما حين قال له (يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟ فقلت: بلى فقال: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة.....). ولينتبه المسلم إلى أوقات قبول الدعاء فيبادر بالدعاء فيها ومنها: جوف الليل والثلث الأخير من الليل والسدس الأخير من الليل ويوم الجمعة ويوم عرفات ودبر الصلوات المكتوبات وأثناء السجود وفي حال صيامه وفي حال سفره. د. عبدالله الطيار أستاذ الفقه الإسلامي بجامعة الإمام فرع القصيم