على مدى السنوات العشرين الماضية، ظلت أمازون تعلمنا شراء كل شيء على شبكة الإنترنت، على الأقل في المناطق الحضرية مثل منطقتي. نحن قريبون من تحقيق حلم بيئة التجزئة التي تتألف بشكل كامل من واجهات المحلات التي تبيع المواد الغذائية، في حين تنطلق شاحنات النقل محدثتة أزيزا ذهابا وإيابا أمام متناولي الطعام تحت المظلات، لكن هل أمازون مكتفية بهذا التحول المدهش؟ بالكاد. الآن - على ما يبدو- هي لا ترغب فقط في امتلاك عمليات التسوق لدينا، لكنها تريد أن تمتلك الطائرات والشاحنات التي توصل الأشياء لأبواب بيوتنا. في مجلة بلومبيرج بيزنس ويك، كتب ديفين ليونارد تقريرا حول توغل أمازون في الشحن والخدمات اللوجستية في السوق، ويقدم حجة قوية جدا مفادها: إذا لم تكن شركات الشحن الكبيرة تشعر بالخوف حيال هذا التطور، ينبغي لها أن تشعر. يقتبس ليونارد مقولة جون روسمان، التنفيذي السابق في أمازون: «أتوقع تماما لأمازون بناء سلسلة إمداد لوجستية بحيث يستطيع أن يستخدمها الآخرون على مدى السنوات الخمس المقبلة، أشك في ذلك، لكن على مدى أكثر من 10 أو 15 سنة.. نعم بالتأكيد». تركني هذا الموضوع مع سؤال واحد كبير: «لماذا؟» ما الذي ينبغي على أمازون أن تكسبه من التكامل العمودي على هذا النحو. أعلم بأن عددا قليلا على الأقل من القراء سوف يميل إلى القول: «لأنه عند ذلك الحين، لن يتوجب على أمازون دفع أجور الشحن!» لكن بطبيعة الحال، سوف يتوجب على أمازون دفع تكاليف الشحن، ولأنه سوف يتوجب عليها امتلاك الطائرات والشاحنات، وتعيين موظفين لنقل الصناديق هنا وهناك، سيكون لديها الكثير من نفس التكاليف الموجودة لدى شركة فيدرال إكسبريس وشركة UPS، بما في ذلك البيروقراطية الإدارية والحاجة إلى توفير الأرباح للمساهمين، ما الذي ستكسبه من جلب أعمال الشحن لتكون ضمن أقسامها المتعددة؟ هذا في الواقع سؤال عميق حقا بالنسبة للاقتصاديين، لأنك إذا تابعْتَ تلك الفكرة إلى نهايتها المنطقية، ينتهي بك الأمر إلى التساؤل: «لماذا الشركات موجودة؟» ولماذا لا نتصرف جميعا فقط مثل التجار في سوق القرية، نبيع أي شيء لدينا بأي ثمن نستطيع الحصول عليه؟ ذلك يبدو وكأنه سؤال سخيف، لكن ليس هناك سبب لعدم تمكني من بيع مقالاتي لبلومبيرج واحدا تلو الآخر (بالمناسبة، كثير من الصحفيين يكسبون عيشهم بهذه الطريقة) وليس هناك سبب في أن الكثير من المهن الأخرى لا يمكن - من الناحية النظرية - تنفيذها على شكل شبكات من المتعاقدين المستقلين. إذا ما السبب في أن الأمور ليست على هذا النحو؟ كان الاقتصادي الفائز بجائزة نوبل رونالد كوز أول شخص يعالج هذه المسألة على نحو فعال، والجواب الذي جاء به كان: «تكاليف التعاملات». التفاوض باستمرار حول ما الذي يجب عمله، وكيف ينبغي القيام به، أمر مكلف ويستهلك زمنا طويلا وأحيانا لا يمكن القيام به على الإطلاق. إن جلب أنشطة مختلفة تحت سقف شركة واحدة يسمح لك بالحد من الكثير من المفاوضات واللجوء بدلا من ذلك إلى استخدام السلطة لتسوية النزاعات. لا يمكنك أبدا التخلص من الحاجة إلى التفاوض تماما، وهذا ما يمكن أن يشهد به أي شخص عمل أصلا مديرا لإحدى الإدارات، لكن يمكنك الحد منها، ويمكن للسلطة أن تكون وسيلة أكثر كفاءة لتسوية النزاعات بين المصالح المختلفة، لكن للسلطة تكاليفها أيضا، لاسيما أنها تقلل المبادرة والمرونة. في عالم يقوم على النماذج الاقتصادية، المفروض أن نرى الشركات وهي تقوم بكل المهام التي يمكن أن تدار بشكل أكثر ربحية من خلال السلطة بدلا من آليات سعر السوق، والاستعانة بمصادر خارجية لجميع القرارات التي يمكن للسوق التعامل معها بشكل أكثر كفاءة، لكن في العالم الذي نعيش فيه فعلا - بطبيعة الحال - فإن الأمور تعتبر أكثر تعقيدا، لكن مع ذلك، عندما تبدأ شركة اعتادت على شراء شيء ما في السوق أن تنشئ قسما للتعامل مع هذا الشيء، فإنه نموذج مفيد لنا لمقارنته مع شركتنا الحية الحقيقية. لاحظ أن من الصعب جدا أن نفكر في الأسباب التي جعلت أمازون في مثل هذا الموقف. الشحن ليس احتكارا، وبالتالي فهو ليس عرضة لمشاكل الحد من الربح التي يمكن أن نراها في الأسواق التي يكون فيها مُوَرِّد كبير واحد يواجه شركة تجزئة كبيرة واحدة، وكل منهما يحاول أن يحصل على الأرباح الزائدة، ولا تعتبر سوق الشحن تفتقر إلى الكفاءة بشكل واضح بطرق تتسبب في جعل الزبائن الذين يتعاملون مع الموردين السيئين للسلع الوسيطة يقررون إنتاج تلك السلع ضمن شركاتهم (مثال على ذلك الشركات التي تضطر إلى تطوير قدرة توليد الكهرباء اللازمة لها في البلدان النامية التي تكون شبكات الكهرباء فيها غير موثوقة). إحضار شيء ما إلى بيتي قبل الساعة 6 صباحا ليس بالمهمة المعقدة التي من الصعب تحديدها في العقود التي تتم مع المورِّدين، كما أنه ليس لدينا ذلك الوضع الذي كنت قد رأيته في أماكن مثل صناعة السيارات، حيث غالبا ما يكون الموردون والمشترون قادرين على اتخاذ قرارات مستقلة (مثل مكان وضْع مصانع جديدة) الأمر الذي يمكن أن يعطي الطرف الآخر زيادة في القوة التفاوضية (لأنه بمجرد أن يتم بناء المصنع لديك ليكون مناسبا لشركة جنرال موتورز، فإنه سيكون الآن أكثر ربحية أن تبيعه لجنرال موتورز بدلا من بيعه إلى أي شركة صناعة أخرى). أقصد طبعا أنه يمكنك أن تتحدث عن المشاكل التي مرت بها أمازون مع شركات الشحن التي تتعامل معها، كما كانت الحال عندما فاق عدد الطرود التي تبيعها أمازون قبل بضع سنوات قدرة شركات الشحن على تسليمها، لكن هذه المشاكل لن تختفي عندما تبدأ أمازون بشحن الأشياء بنفسها. سيكون من المكلف الإبقاء على الكثير من القدرة الإضافية على التسليم، وهي قدرة لن تستخدم إلا لشهر واحد من السنة (خلال فترة الأعياد ورأس السنة) وهذا صحيح سواء بقيت هذه القدرات في أمازون أو فيدرال إكسبريس. حل مشكلة القدرة هو ما فعلته أمازون مع أعمال خدماتها المربحة على شبكة الإنترنت، التي بدأت، لأن الشركة كانت بحاجة إلى كميات هائلة من طاقة الخوادم لإدارة حجم الطرود الكبير خلال أوقات الذروة فيها، لكن هاتين الحالتين ليستا متوازيتين حقا. بيع قوة الحوسبة توسعت في شيء كانت أمازون في سبيلها إلى أن تفعله على أية حال: تطوير أدوات بنية تحتية للتعامل مع موقعها على شبكة الإنترنت، وأعمالها التجارية الأساسية. بعبارة أخرى «قسم خدمات الإنترنت في أمازون» كان يتضمن العثور على استخدام مربح لشيء كان يتوجب على أمازون أن تملكه، ويتعذر الحصول عليه حقا في أي مكان آخر، لكن «قسم أمازون لخدمات الشحن» على النقيض من ذلك، ينطوي على شيء يمكن لأمازون شراؤه في أي مكان آخر، من الشركات التي سوف تتنافس معها إذا حاولت أمازون بيع هذه الخدمات في السوق المفتوحة. ربما هناك بعض المنطق أعجز عن رؤيته في هذه الخطوة، وربما خلال 10 أعوام سوف أهز رأسي عند عدم قدرتي على توقع الطاغوت اللوجستي الهائل الذي اصبحت عليه أعمال أمازون لخدمات الشحن. من جانب آخر، هناك شيء لا يظهر بشكل جيد في النماذج الاقتصادية، لكنه شيء يظهر فعلا في كثير من الشركات الموجودة في العالم الحقيقي، وهو الذوق الذي يكتسبه مديرو الشركات من حيث بناء الإمبراطوريات، بمعنى الرغبة في القيام بالأشياء لأنهم يقدرون على القيام بها، وليس لأنه يجدر بهم القيام بها، والسعي وراء الحجم الأكبر فقط لمجرد أن تصبح الشركة أكبر. لو كنتُ مديرة في شركة فيدرال إكسبريس فإني سأشعر بقلق كبير من قرار أمازون بالدخول في أعمال الشحن، لكن من جانب آخر لو كنتُ مديرة في أمازون، فربما أشعر ببعض التوتر كذلك.