تعتبر التجارة الحرة إيجابية بشكل عام بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، رغم عدم استفادة الجميع منها.. يتحدث كل من الخبير الاقتصادي تايلر كوين، كاتب عمود في بلومبيرج، وروبرت زويليك، ممثل تجاري أمريكي أسبق، ورئيس سابق للبنك الدولي (2007-2012) مع باولا دواير حول تحسين التوقعات بالنسبة لمستقبل صفقات التجارة الحرة من خلال مساعدة العمال المتخلفين. ■ دواير: هل تخسر الولاياتالمتحدة في الواقع مع البلدان الأخرى بسبب ضعف التفاوض في اتفاقيات التجارة؟ زويليك: هنالك الكثير من الأسباب وراء وصول الاقتصاد العالمي اليوم لمستويات ثراء مرتفعة أعلى مما كان عليه قبل 40 أو 50 عامًا. لكن مما لا شك فيه أن التوسّع في سلاسل التوريد والتجارة العالمية، ناهيك عن الخيار الموسّع، هو من بين هذه الأسباب. اعتاد الأمريكيون على السلع الأفضل بأسعار معقولة.. عندما كنت صغيرًا، لم تكن لدينا فواكه وخضراوات طازجة على مدار العام، أما الآن فذلك متوافر، جزئيًّا بسبب سلاسل التوريد التي تم إعدادها بموجب اتفاقيات التجارة. المشكلة في فكرة ترامب هي فكرة اللعبة الصفرية - أي أنه لا بد أن يخسر شخصٌ شيئًا ما مقابل أن يربح شخص آخر - ويعتقد أن الولاياتالمتحدة هي الخاسرة.. في علم الاقتصاد، يمكن أن يحقق الناس النمو معًا. ربما تبيع ولاية إنديانا شيئًا لإيلينوي وربما يتوافر لدى إنديانا فائض مع تلك الولاية. هذا لا يُعدُّ أمرًا هامًّا جدًّا بالنسبة لاقتصاد الولاية أو الاقتصاد الأمريكي عمومًا إذا كان لدى المستهلكين خيار أكبر والناس يمكنهم إنتاج المزيد ويمكن أن يكونوا أكثر كفاءة. والإطار المرجعي لديه فيما يتعلق بالفائزين والخاسرين سوف يجعل الجميع خاسرين.. لدينا حوالي 11 مليون شخص تعتمد أعمالهم على الصادرات.. في قطاع الزراعة، لدينا مليون آخر من الأشخاص.. إنه يتلاعب بحياة الكثير من الناس. ■ دواير: ما الذي يدور في ذهنك عندما يقول ترامب إن العجز مع الصين يبلغ 500 مليار دولار (وهذا الرقم أعلى من الرقم الفعلي - في العام 2015 كان يبلغ 367 مليار دولار) وأن الصينيين يسلبون الفرص منا؟ كوين: إن معلوماته ضعيفة ولا يفهم الاقتصاد.. هنالك مشكلة حقيقية في بعض أجزاء الطبقة المتوسطة في هذا البلد ممن شهدوا نموًّا أقل أو نموًا سلبيًّا في الأجور بسبب الواردات الصينية. أنا أقبل بهذا.. لكن هذا كان لا يزال فائضًا صافيًا كبيرًا بالنسبة للاقتصاد الأمريكي ككل. زويليك: ما يدور في مخيلتي هو أن ترامب دائمًا ما يبحث عن شخص ليلقي اللوم عليه. ويمكن أن تكون العلاقات التجارية ذات منافع متبادلة.. بدلًا من محاولة حل المشكلة، التي تتمثل في كيفية مساعدة العمال الأمريكيين في مجال التعليم والمهارات والحصول على عمل، واسترجاعهم لوظائفهم أو دعم أجورهم، يقول إن الخطأ ارتكبه الصينيون، وأنا سأحاول إيقاف الصينيين.. حسنًا، ربما يحاولون إيقافك أنت في المقابل. ■ كوين: بوب، هل فكّرت مطلقًا في أن الأمر سيصل إلى هذا الحد، حيث يمكن أن مرشّح الحزب يشكّك في أساسيات نظام التجارة العالمي إلى هذه الدرجة؟ زويليك: كلّا، لم أتوقع هذا أبدًا.. لكنني لا أتوقع أيضًا أنه سيصبح رئيسًا.. المشكلة هي أنه حتى هيلاري كلينتون تقول إنها ضد اتفاقية الشراكة عبر الأطلسي، التي أطلقَتْ عليها ذات مرة المعيار الذهبي. والقضية الأكبر ستكون تأثير ترامب.. فهو عمل على خفض الدعم الجمهوري للأسواق المفتوحة.. وكان الكثير من الحزب الديموقراطي - من الأشخاص المنتخبين - قد تحرّك بالفعل ضد التجارة الحرة. وتأثير ترامب يعني أننا سنحصل على دعم جمهوري أقل ما لم يأتِ الناس ليفسّروا كيف كانت تعمل اتفاقيات التجارة المذكورة، وكما أشرت أنا وتايلر، مساعدة الناس في التأقلم مع التغيير. الدافع الكبير وراء الكثير من التحوّل الذي نتحدث عنه في مجال الاقتصاد سببه التكنولوجيا، وليس التجارة. والعاملان مترابطان بشكل واضح، لكنني أعتقد أن ترامب يكذب على الناس من خلال التظاهر بأن زيادة التعريفات الجمركية أو تهديد البلدان الأخرى سوف يشكّل حلًّا للمشكلة.. في الوقت نفسه، لا أعتقد أن النهج الذي تتخذه هيلاري كلينتون سيكون ناجحًا، كذلك. اسمحوا لي بأن أقدّم لكم مثالَين عمليَّين.. دائمًا ما أدهشنى أن عمال شركة بوينج في مجال الفضاء الجوي كانوا ضد اتفاقيات التجارة التي نبرمها، على الرغم من أن شركة بوينج ربما تبيع من 90 إلى 95 بالمائة من منتجاتها في الخارج. تحدثت حول هذا الموضوع مؤخرًا مع مايك فرومان، الممثل التجاري الأمريكي الحالي.. ولم يتمكّن كل منا من الحصول على موافقة اثنين من رجال الكونجرس للتصويت لصالح التجارة، وقد تعتقد أن صناعة التكنولوجيا يمكن أن تحظى ببعض الاهتمام في الأسواق المفتوحة. لذلك فإنه سيتعيّن على الشركات تفسير وتوضيح الآثار المترتبة على التجارة والأسواق المفتوحة.. وأعتقد أن الأشخاص الأصغر سنًّا سيريدون المزيد من الخيارات من حيث الأماكن التي يرغبون في السفر إليها، والطعام الذي يأكلونه، والمكان الذي يودون العمل فيه. ينبغي على صناعة التكنولوجيا استخدام بعض «بياناتها الكبيرة» لتفهم كيف يمكن لها حل هذه القضية بشكل فاعل أكثر، لأن ترامب يستغل المخاوف العميقة التي أثرت على كلينتون وسائر الديمقراطيين. ■ دواير: كم سيمر وقت قبل أن تدخل الولاياتالمتحدة في مرحلة إبرام صفقة تجارية أخرى؟ كوين: لا أتوقع أن توقّع أمريكا اتفاقيات تجارية جديدة في أي وقت قريبًا. ربما بعد 20 عامًا. زويليك: ذلك الأمر يتعلق بالقيادة الرئاسية.. أنا أراقب الوضع منذ فترة إدارة فورد.. وأنا مسرور بأن أوباما يدافع عن اتفاقية الشراكة عبر الأطلسي.. لكن خلال السنوات الخمس الأولى من فترة رئاسته، لم يفعل أي شيء حيال ذلك.. في العام الماضي، عندما لجأ للكونجرس للحصول على سلطة التفاوض في مجال إبرام الاتفاقيات التجارية، توقّع أن يقف إلى صفه المؤتمر التحضيري الخاص بحزبه.. والواقع أن من باب الإنصاف لحزبه أن أقول إنه لم يقدّم إليهم حجة معقولة لفترة امتدت ست سنوات. لذلك، في نهاية المطاف، يتحمّل الرئيس مسؤولية تقديم الحجة.. ومن الواضح أنه لن يكون ترامب. ولا يبدو أنها ستكون كلينتون، أيضًا. كوين: يواجه السياسيون في بلدان أخرى أصحاب المصالح الخاصة بهم.. اتفاقيات التجارة ليست دائمًا مفضلة في بلدانهم.. عليهم القيام بمجهود كبير لجلب واحدة منها إلى طاولة المفاوضات.. لكنهم يفعلون ذلك، لأنهم يعتقدون أن هناك شيئًا لهم في نهاية الأمر، وهو أن الولاياتالمتحدة توقع على الاتفاق وهم يحصلون على بعض الأشياء الجيدة. لكن عندما نرسل إشارات متضاربة فإنهم يترددون. زويليك: اتفاقيات التجارة الحديثة تعتبر أكثر بكثير من التعريفات الجمركية والحصص والأشياء التي نتحدث عنها.. إنها من أجل حقوق الملكية الفكرية، وإمكانية الوصول إلى صناعات الخدمات وتحسين الشفافية ومحاربة الفساد.. الأمر ليس مستغربًا، لأن الولاياتالمتحدة لديها اقتصاد أكثر تقدمًا، فقد كانت عادة متطورة في محاولة الحصول على قواعد ذات جودة عالية لمنتجيها. لنأخذ الشراكة عبر المحيط الهادي كمثال.. إنها تشمل 12 اقتصادًا.. ستة منها لدينا بالأصل اتفاقيات للتجارة الحرة معها.. لذلك نحن نقوم بتطوير ذلك.. الإضافة الكبيرة حقًا هي اليابان.. ولكن لديك أيضًا فيتنام وماليزيا ونيوزيلندا وبروناي.. أحد الأسئلة الحقيقية، والتي قام رئيس وزراء سنغافورة بإثارتها في زيارته الأخيرة إلى الولاياتالمتحدة، هو ما إذا كانت الولاياتالمتحدة تريد أن تصنع القواعد الخاصة بهذه المجالات الجديدة، أو أنها تريد السماح لشخص آخر بالقيام بذلك. في حالة شرق آسيا، ستكون الصين هي مَن يفعل ذلك.. ستكون هناك تداعيات أمنية لذلك أيضًا.. وهذه هي الحجة التي حاول الرئيس تقديمها.. لذلك ليس من الضروري أن تكون معادية للصين.. هناك أناس في الصين يريدون أيضًا قواعد أفضل للاستثمار وغيرها من الأمور. ■ دواير: الكثير من التعليقات اليوم تتعلق بالأبحاث التي تبيِّن أن المجتمعات التي عانت أكثر عندما دخلت الصين منظمة التجارة العالمية في عام 2000 لم تخرج من تلك المعاناة.. ما الذي يمكن القيام به لجعل الصفقات التجارية تصبح أمرًا مستساغًا لدينا؟ كوين: أنا عادة ما أكون على استعداد للقيام بكل ما يلزم.. ما ينجح في الواقع هو مغادرة الناس للمناطق المعتلة. هذا أمر يصعب تسويقه من الناحية السياسية، ولكن هذا ما يعتبر أيضًا أكثر فعالية من إعادة التدريب أو التخلص من الأشياء أو كل الأفكار الأخرى التي تسمعها.. إنها مسألة لتورية الأمور.. ما عليك القيام به لتسويق اتفاقية التجارة، في حدود المعقول، هو معرفة أرخص طريقة للقيام بذلك. زويليك: إذا كنت ترغب في اقتصاد مفتوح يتكيّف مع التغيير سواء كان هذا التغيير مدفوعًا عن طريق التكنولوجيا أو التجارة - فهذه سياسة جيدة، والسياسة الجيدة أيضًا أن تكون لديك مجموعة من الأنشطة التي تساعد الناس على القيام بهذا التعديل. جزء من المشكلة هو أنه كانت لدينا مجموعة من البرامج، لكننا لم نقم بما قد تقوم به معظم الشركات أو الباحثين الأكاديميين، وهو أن تكون لدينا البرامج الرائدة، وأن نقيس الفعالية.