لا يساورني أدنى شك في أن داعش كانت صنيعة استخبارات غربية، وكانت تكبر وتتمدد تحت أنظار أجهزة الأمن الدولية؛ بهدف تفتيت المجتمعات العربية وتحويلها لكانتونات طائفية صغيرة، لكنه ما لبث حتى انشطر في وجه الجميع، بحيث لم تبق دولة أوروبية بمأمن عن استهداف التنظيم الإرهابي، بعد أن شعر بأن أهدافه لا تتطابق مع أهداف صانعيه. قبل أيامٍ قليلة، أحبطت أجهزة الأمن عمليتين إرهابيتين في منطقة القطيف، الأولى: استهدفت مسجد المصطفى، في منطقة أم الحمام. الثانية: كانت في الطريق لمقهى السيف في جزيرة تاروت، وهو مقصد لمئات المواطنين في المنطقة الشرقية، بمختلف توجهاتهم. إن هذا الاستهداف الجديد، للمقاهي والمطاعم والمجمعات التجارية، سبق وأن حذرت منه وزارة الداخلية، حتى أن بعض التجار بادر لزيادة الحراسات الأمنية عند المداخل. ذكرت في وقت سابق، بعد تفجيرات مسجد العنود بالدمام تحديدا، أن داعش لن يتوقف عن استهداف المساجد والحسينيات ورجال الأمن، وأن العمليات الأولى في تلك المرحلة لم تكن سوى بداية؛ بهدف ضرب السلم الأهلي في المملكة. وحينما نقول السلم الأهلي، نعني تلك العلاقات الاجتماعية الطبيعية بين المواطنين، كل المواطنين، بجميع انتماءاتهم المذهبية والقبلية والمناطقية، التي لم تعرف أبدا عمليات قتل على الهوية، برغم وجود بعض التصرفات العنصرية، وخطب التحريض على الكراهية، التي يجب على الدولة سن القوانين التي تجرمها؛ كي يصبح جميع المواطنين تحت سقف القانون. بطبيعة الحال، يبقى الأمن هاجس الجميع، فالناس بفطرتها، كانت تعي ماذا يعني غياب الأمن، وقد جرب أجدادنا غيابه، في مرحلة العثمانيين والإنجليز، ولا اعتقد أن أحدا يرغب في العيش في ظروف مدينة بغداد، ولو لليلة واحدة من عمره. صحيح أن العلاقة بين المواطنين اليوم تتأثر بالأوضاع السياسية في الوطن العربي، وينقسم المجتمع على القضايا الإقليمية، نتيجة للانقسام السياسي الحاصل في المنطقة، لكن الأمن والسلم الاجتماعي، لا بد وأن يظلا خطا أحمر. من هنا، فإن التعامل مع استهداف رجال الأمن في نقاط التفتيش عند مداخل القطيف، أو أمام مراكز الشرطة، لا يقل خطورة عن العمليات الانتحارية التي ينفذها التنظيم الإرهابي، فكل ضربة للأمن هي مسمارٌ في جسد السلم الأهلي، وتعبّد الطريق نحو تحقيق هدف داعش الأول؛ الذي يرتجي جر البلد نحو فتنة مذهبية صريحة. ليس من باب المبالغة، القول: إن الهدف من وراء استهداف المساجد والحسينيات في القطيف، هو جرّ بعض الطائشين لرد فعل مقابل، يساهم في مضاعفة تسميم الأجواء بين المواطنين، بل إن البعض يستغل وسائل التواصل الاجتماعي، للتشكيك في نوايا كل فرد تجاه الآخر، بغرض ايجاد أجواء تشوبها الريبة. إن حفظ الأمن ضرورة لا تتقدمها ضرورة، وإن احتكار الأمن هو وظيفة الدولة، ولا يحق لأحد - مهما كانت عقيدته السياسية - منازعة الدولة في وظائفها، وإلا دخلنا في حالة من الفوضى التي لن يسلم منها أحد.