ربما تابعتم ما حدث قبل أيام من انتشار صور العاملات المنزليات من الجنسية الآسيوية في أحد المجمعات التجارية بمدينة الظهران، حين أقدمت شركة استقدام على عمل مشين بعرض العاملات أمام الزوار بشكل مهين تحت لائحة تحمل عنوانا (مريحا) يفيد قيام الشركة بتأجير العاملات المنزليات بالساعة. ولا أعلم كيف بلغت الشركة هذه الدرجة من الجرأة، بحيث تصورت أن القوى الاجتماعية والمؤسسات القائمة على تنظيم شؤون العمالة قد فقدت قدرتها على مقاومة ابتزاز شركات الاستقدام، وكيف ظنت أن مناقبية الجماهير لم تعد كما كانت، وأن الحاجة الماسة للعاملات في الفترة الحالية ستجعلهم يغفلون عن طريقة عرض الأوادم باعتبارهم سلعا تباع وتشتري ويتم معاينتها وتقليبها، لكن الحمد لله أن ما حدث هو العكس تماما، حيث إن الهبة الاجتماعية التي حصلت بعد عرض الصور قد أثبتت ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي تحديدا أن المجتمع مازال قادرا على صد أي محاولة لتوطين فكرة الاتجار بالبشر، وتبديد التصورات التي توحي بأن العائلات السعودية في مجتمعنا مجرد كائنات كسولة تبحث عمن يخدمها دون النظر للاعتبارات الآدمية الأخرى. ولولا وجود مواقع التواصل الاجتماعي ربما ونشرها الخبر والصور المذكورة لبؤس العاملات ولحظات الذل والمهانة التي برزت على ملامحهن، لما وصل الأمر إلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية التي تحركت فورا عبر متحدثها الرسمي «خالد أبا الخيل» الذي أكد أن فرق التفتيش أزالت التجاوز الذي قامت به شركة الاستقدام، مع إخضاعها للمحاسبة وهذا ما نتمناه حقا. وبالتأكيد أيضا لم تكن لتتصرف إدارة المول الذي عرف بقلة تعاون ادارته مقارنة مع المجمعات التجارية الأخرى بالمنطقة لولا انتشار السخط الكبير بين المغردين الذين وصفوا المجمع بتسهيله سوق النخاسة وبيع الجواري، ولهذا يبدو كالعادة أن البطل المنقذ في هذه المرة أيضا هو «السوبر تويتر» الذي أثار القضية، وأوصلها للجهات الرسمية. صحيح أن الصورة أشعرت الكثير منا بالاثم والسخط، لكن لا ننكر أن فئة أخرى منا اعتبروا الموضوع عاديا وأن من حق كل شخص أن يتأكد من شكل ونظافة العاملة التي ستدخل منزله للعمل فيه، وهذا التفكير بالضبط هو الذي يجب أن يشعرنا بالخوف حقا على قيم ومبادئ هذا الجيل وما ستؤول إليه الحياة المقبلة. ولهذا علينا أن نسأل أنفسنا عندما تنتهي صدمة الصور ما الذي يتبقى منها في عقولنا؟! وهل فهمنا الموقف والأسباب الواقعية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الانسانية وراء ما حصل فعلا؟ أليس التعاطف أو مجرد التعاطف فقط.. هو ما يفقدنا دائما التفكير المنطقي وما يجب علينا عمله؟.