القوة الناعمة الهائلة في المملكة المتحدة، والتي بنيت بشق الأنفس في حقبة ما بعد الإمبراطورية، تبدو وكأنها تضعضعت نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. في الواقع، التفاوض على شروط الانفصال المقبولة أو منع حدوث التدهور الاقتصادي قد يكون أسهل بكثير من استعادة النفوذ البريطاني. بعض المؤشرات المبكرة حول كيفية قيام عملية خروج بريطانيا بالإضرار بالتصور الدولي حول المملكة المتحدة يمكن العثور عليها في استطلاع حديث أجراه معهد «إيبسوس» في 16 دولة. في كل منها باستثناء روسيا والهند والولاياتالمتحدة، تقول الأكثرية: إن مغادرة بريطانيا ستضعف المملكة المتحدة؛ 64 بالمائة من الألمان، وعلى سبيل المثال، 44 بالمائة من الكنديين يعتقدون ذلك - في حين يعتقد فقط 13 بالمائة و 15 بالمائة في هذين البلدين أن الخروج سوف يعمل على تقوية المملكة المتحدة. الأوروبيون بشكل خاص غير راضين عن قرار مغادرة بريطانيا. في إيطاليا، 37 بالمائة من الناس يقولون: إن احتمال ذهابهم إلى المملكة المتحدة في إجازة سيكون أقل و43 بالمائة سيكونون أقل استعدادا لشراء المنتجات البريطانية. حتى في البلدان التي لم يتم تجاهلها من قبل بريطانيا بالطريقة التي كان يتجاهلها بها الأوروبيون، فإن عددا كبيرا من المشاركين يشعرون الآن بإعجاب أقل بالمملكة المتحدة. على سبيل المثال، 33 بالمائة من الهنود و21 بالمائة من اليابانيين و17 بالمائة من الأمريكيين، وفقا لمعهد إيبسوس، هم أقل عرضة لشراء السلع والخدمات البريطانية. وهناك كثير من العلامات الأخرى في الاستطلاع تدل على أن الأجانب، خاصة الأوروبيين، يشعرون بالاستياء من مغادرة بريطانيا. ففي فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا واسبانيا، ترغب الأكثرية من المملكة المتحدة في الحصول على صفقة غير مواتية حول الخروج من الاتحاد الأوروبي - وهو الأمر الذي سيجعل من الصعب سياسيا على حكومات هذه الدول الاستمرار بالتساهل مع بريطانيا في الوقت الذي يتم فيه التفاوض حول شروط الانفصال. وفي كل مكان في أوروبا تعتبر أكثرية كبيرة من الناس أن مغادرة بريطانيا تعتبر الخطوة الخاطئة بالنسبة للمملكة المتحدة، ما يشير إلى أن الأوروبيين يحبون اتحادهم أكثر مما تشير إليه بعض استطلاعات الرأي الأخيرة. وفي حين أن التأثير الكامل لمغادرة بريطانيا على نفوذها لن يكون واضحا لبعض الوقت، تشير الفترة التي أعقبت ذلك مباشرة إلى أن المملكة المتحدة ستبحث مرة أخرى عن دور لها. في آخر مرة فعلوا بها ذلك لم يحققوا سوى نصف النجاح. بعد بعض التعثر في مرحلة ما بعد الإمبراطورية، أطلق تقرير صدر عام 1997م من قبل مركز أبحاث ديموس إعادة النظر في صورة بريطانيا للقرن الحادي والعشرين: «هوية بريطانيا هي في حالة تغير مستمر. وقد تزامن تجديد الثقة الوطنية في الفنون، والأزياء، والتكنولوجيا، والهندسة المعمارية والتصميم، مع الرحيل من هونغ كونغ، وتفويض السلطة، ومزيد من التكامل مع أوروبا، واقتراب الألفية ووفاة الأميرة ديانا. أحدث التقرير صدى لدى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، الذي فاز حزبه «حزب العمال الجديد» لتوه في الانتخابات العامة. إن عبارة «كول بريتانيا» والتي تدل على التفاخر بالثقافة البريطانية، اشتهرت بالفعل بحلول الوقت الذي تم فيه استقطابها لحملة بلير، والذي أكد على إبداع المملكة المتحدة، وتنوعها، ومشروع الألفية لإنشاء مناطق الجذب السياحي الجديدة، والعصرية. محليا، أخفق هذا الجهد، كما كتبت شارلوت فيرتر في مقالها عام 2011م بشأن «إعادة صياغة العلامة المميزة البريطانية». وكان يعود سبب ذلك في جزء منه إلى الإنجاز الضعيف واستقبال وسائل الإعلام المعادي بشراسة للفكرة الجديدة. ولكن بموجب إعادة صياغة العلامة المميزة، ظلت بريطانيا بلدا تقليديا للغاية بحيث لا يمكنها ربط نفسها بسهولة مع الصورة التي بدا بلير عازما على بنائها. لكن على الصعيد العالمي فإن الصورة علِقت وبلغت أوجها في عام 2012م مع دورة الألعاب الأولمبية الناجحة في لندن - التي كانت إنجازا قويا من الإبداع والكفاءة. في عام 2012م، وضع تصنيف القوة الناعمة من «مجلة مونوكل» المملكة المتحدة في المرتبة الأولى في العالم. وكان من السهل أن نرى لماذا: كان هناك نجاح فيلم سكايفول، الفيلم الأكثر طموحا في سلسلة جيمس بوند المحدثة. ظاهرة أديل، التي أصبحت أكثر مغنية محبوبة في العالم في ذلك العام. وفوز برادلي ويجينز في سباق فرنسا للدراجات وانتصار نجم التنس البريطاني اندي موراي في دورة الألعاب الأولمبية وبعد ذلك في الولاياتالمتحدة المفتوحة، مما يجعل منه أول بريطاني يفوز بالبطولات الأربع الكبرى منذ 76 عاما. اندفع سيمون مابون من جامعة لانكستر قائلا: «إن النتيجة المباشرة لذلك هي أنه كان لدى السياسة الخارجية البريطانية في عام 2013م القدرة على تشجيع التغيير الإيجابي في العالم، الأمر الذي أحدث قوة لينة، بدلا من قوة الصلبة». وقد يبدو ذلك وكأنه مبالغة الآن، ولكن كان لديه هدف من ذلك. هذا العام، أنشأ أندرو روز من جامعة كاليفورنيا في بيركلي علاقة بين القوة الناعمة لأي دولة واستعداد الناس لشراء منتجاتها. وكتب روز: «البلدان التي ينظر إليها على أنها تمارس تأثيرا أكثر إيجابية في العالم تميل إلى بيع المزيد من الصادرات إلى المعجبين بها». بالتالي، تماما مثلما حدث في أواخر التسعينيات، تواجه بريطانيا أزمة هوية. فهي بحاجة إلى مجهود واعٍ لبناء صورتها حين تقرر ما تريد أن تكون عليه - مركز أفشور متساهل مع أفضل الفرص للشركات الناشئة وصناديق التحوط، أو دولة تقليدية في عصر ما بعد الإمبراطورية، أو نوعا من هذا وذاك. بخلاف ذلك فإن الأجانب سيظلون يجدون صعوبة في تحديد مكانة بريطانيا فيما بعد الخروج - وبالتالي سيجدون صعوبة في الإعجاب بها.