لا يوجد لاعب ممارس لكرة القدم في العالم لم يقع في المحظور أو يخرج عن النص أثناء المباريات أو بعدها، فهو في نهاية المطاف مجرد مجموعة أحاسيس قد يخطئ مرة أو مرتين ويُصيب مرات كثيرة، ولكن هناك لاعبين استمرؤوا الخروج عن المألوف وتعمدوا اختلاق المشاكل، التي يمكن تفاديها حتى باتت صفة ملازمة لهم، فأساءوا لأنفسهم وشوهوا تاريخهم وطمسوا نجوميتهم بسبب تلك التصرفات الخارجة عن الروح الرياضية. وبما أن وسطنا الرياضي ليس بمعزل عما يحدث فيما سواه، فإنه لم يخلو من وجود بعض هذه الحالات، التي «أعيت مَنْ يداويها»، حيث يوجد لاعبون قدموا الكثير للكرة السعودية سواء مع أنديتهم أو مع المنتخبات الوطنية على مدى سنوات طويلة حتى أضحوا من أبرز اللاعبين في تاريخ الكرة لدينا بفضل مستوياتهم الكبيرة وعطاءاتهم المتدفقة، ولكنهم في المقابل لم يستفيدوا من خبرتهم الطويلة في الملاعب، وأصبح كل منهم أسيرا لانفعالاته وتصرفاته، التي أثارت جدلا واسعا في الوسط الرياضي. ومن هذه النماذج -على سبيل المثال لا الحصر- التي باتت في الكثير من الأحيان حديث المجالس خلال السنوات الماضية وحتى اللحظة، قائد النصر حسين عبدالغني ومهاجم الهلال ناصر الشمراني، فهذان النجمان لا يختلف النقاد والفنيون على أنهما قيمة فنية كبيرة وإضافة لأي فريق يرتديان شعاره رغم أن الأول شارف عمره على الأربعين والثاني تجاوز سن الثلاثين، ولكن يعاب عليهما تجاوزاتهما السلوكية المتكررة في كل موسم التي أحرجت فريقيهما وسببت شرخا كبيرا بين أنصار كل فريق. (الميدان) أجرى تحقيقا حول هذا الموضوع ورصد آراء بعض الرياضيين وأصحاب الاختصاص: في البداية، أكد الدكتور محمد السليمان «دكتوراة في علم النفس الرياضي والبرمجة العصبية» أن هذا الموضوع مهم للغاية وبدأ حديثه بتعريف الغضب، وقال «الغضب هو عدم قدرة الإنسان على السيطرة على انفعالاته وأعصابه، نتيجة تعرضه لمشكلة ما، وصفة الغضب من الصفات السلبية التي يتّصف بها الكثير من الأشخاص، بحيث تصبح تصرفاتهم وسلوكياتهم غير طبيعية وغير محتملة من الآخرين، وفي حالة الغضب قد يفعل البعض أو يقول أي شيء يؤدي إلى الندم الشديد بعد فوات الأوان»، مشيرا إلى أن هناك أسبابا تؤدي إلى ذلك ومنها حالة الاحباط التي يمر بها اللاعب أو عدم التركيز أو عدم القدرة على المنافسة. وبيَّن الدكتور السليمان أن هناك عوامل داخلية وخارجية قد تؤثر على سلوكيات الرياضي، فالداخلية مثل طريقة التفكير التي تنعكس على سلوكيات اللاعب ومن ذلك الكلام الذي يردده لنفسه، والخارجية مثل الفريق المنافس وطريقة أدائه والحكم والجمهور وبيئة الملعب والأجواء العامة. وأوضح السليمان أن الانفعال غير المبرر من بعض اللاعبين يؤثر سلبا على أداء أنديتهم، خصوصا إذا صدرت هذه السلوكيات من نجم الفريق أو قائده، مبينا أن مثل هذه التصرفات لها تأثير كبير على النشء، لا سيما عندما يعتبرون هذا اللاعب أو ذاك قدوة لهم في الملاعب، وبالتالي يعتقدون أن مثل هذه التصرفات جزء من النجومية. وأهاب الدكتور السليمان بانسياق اللاعبين الناشئين أو حتى المشجعين خلف هذه التصرفات، وقال «يجب علينا تنبيه الجيل القادم بأن هذه السلوكيات غير أخلاقية وليست مقبولة وقد يعاقب عليها القانون، وقد تخسر جمهورك بسبب سلوك لا يليق، كما أن النشء يجب أن يدرك أن النجومية الحقيقية هي الانضباط والتحلي بالأخلاق العالية، التي تعد السمة الأسمى في المجال الرياضي». أما الدكتور مدني رحيمي الناقد والمحلل الرياضي، فأكد أن سبب تمادي بعض اللاعبين وخروجهم المتكرر عن الروح الرياضية أثناء المباريات يعود لضعف الأنظمة واللوائح سواء في اتحاد القدم أو في الأندية، وقال «لو كان هناك نظام صارم يطبق بحيادية بحق اللاعبين المتجاوزين والخارجين عن الروح الرياضية دون النظر لأنديتهم التي ينتمون لها لما وجدنا مثل هذه الحالات المثيرة للجدل في المباريات، ولكن مع الأسف لا يوجد نظام يحد من هذه السلوكيات التي لا تمت للرياضة بصلة». واستشهد رحيمي بحادثة قائد النصر الأخيرة في دورة تبوك الدولية، وقال «ما حدث من عبدالغني لم يكن مستغربا، فقد عودنا على مثل هذا الخروج منذ أن كان لاعبا في الأهلي، ولكن أعجبني في المقابل ما قاله ماجد عبدالله عندما أكد أن النصر بلا قائد، وما أعجبني أكثر الحزم الذي اتخذه مدرب النصر مع اللاعب الذي يجب أن يعرف أنه لا يوجد لاعب أكبر من الكيان، وأن اللاعب مهما كان مستواه هو مجرد موظف حاله كحال أي موظف في أي مكان، ويجب أن ينصاع لقرارات المسؤولين في النادي». وشدد رحيمي على أن النادي أيا كان لا يقف على لاعب معين، وقال «هذه العينة من اللاعبين تأثيرهم على أنديتهم سلبي، فهم يؤثرون على زملائهم ويخرجونهم عن أجواء المباريات، وعندما يتم إخراجهم ببطاقة حمراء مثلا أو يتم استبدالهم نجد أن أنديتهم تؤدي بشكل مميز، وهذا دليل على أن وجودهم يسبب مشاكل لا حصر لها مع أنديتهم». وبيَّن رحيمي في ثنايا حديثه أن هؤلاء اللاعبين الذين يتمتعون بشعبية كبيرة يؤثرون بشكل مباشر على سلوكيات اللاعبين صغار السن، وكذلك الجماهير وبالتالي يجب عليهم أن يتحلوا بالروح الرياضية ويكونوا قدوة للأجيال القادمة بدلا من الإساءة لتاريخهم أمام عشاقهم ومحبيهم. وأوضح الدكتور رحيمي أنه يجب على الاتحاد والأندية إيجاد نظام لمثل هذه الحالات، وإذا كان النظام موجود فمن الواجب تطبيقه، خصوصا أننا نعيش في زمن الاحتراف، مطالبا الأندية على وجه التحديد بالوقوف ضد السلوكيات الخارجة عن الروح الرياضية وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب طبقا للوائح الداخلية والمتمثلة في الخصم من راتب اللاعب وقال في هذا الجانب «عندما يتم الخصم من راتب اللاعب حينها سيعرف معنى العقوبة وحينها سيكون عبرة لغيره من اللاعبين كي لا يقعون في الخطأ نفسه، ولكن فيما لو تكرر الخطأ من اللاعب نفسه، فإن العلاج الأمثل هو وضعه على قائمة الانتقال للتخلص منه وفق النظام». أخيرا أوضح الإعلامي الرياضي صالح الحمادي أن أحد أسباب خروج اللاعبين عن النص في منافسات لعبة كرة القدم على وجه التحديد يعود لغياب اللوائح والأنظمة الرادعة، التي متى ما وجدت فهي لا تطبق، ومتى ما طبقت فغالبا ما تكون على الأندية الصغيرة إن جاز التعبير أو غير الجماهيرية لا على كبار الأندية ونجومها. وحول تأثير هذه السلوكيات الصادرة من بعض اللاعبين على أنديتهم، قال «التأثير يتفاوت من فريق لآخر ويرتبط بالعقلية الإدارية، التي تُدير الفريق وتسيّر أموره الميدانية»، مشددا على أن النشء يتأثر كثيرا بسلوكيات اللاعبين، لا سيما أنه يرصد حركات وسكنات نجوم الكرة المشهورين عامة ونجومهم المفضلين على وجه الخصوص ويستعرضونها ثم يقلدونها. وتطرف الحمادي للحلول، التي يمكن أن تحد من مثل هذه التصرفات، وقال «الحلول كثيرة ومتعددة ويتفاوت تطبيقها من مجتمع لآخر، ولكن في مجتمعنا السعودي العربي المسلم من الأهمية بمكان سن لوائح وأنظمة حازمة وصارمة تطبق على الجميع دون تمايز، وبالذات على لاعبي الأندية الكبيرة ونقترح ربط الغرامات المالية المتدرجة من الصغيرة للمتوسطة للكبيرة بعقوبات الإيقاف المتكررة شريطة أن تذهب هذه الغرامات المالية كمكافأة لأبرز اللاعبين المثاليين انضباطا وأخلاقا، الذين يتم تحديدهم من خلال تصويت يقوم عليه الجماهير والإعلام، ويكون ذلك مع نهاية كل موسم وفق بيان صادر من لجنة الأخلاق والقيم، التي من واجبها رصد أبرز الأسماء المثالية خلال الموسم وتكريمها في حفل يقام بهذه المناسبة، ويتم من خلاله أيضا الإعلان عن الأسماء الأكثر تعرضا للعقوبات سواء كانوا لاعبين أو مدربين أو إداريين».