يعيش لبنان حالة من الموت السريري منذ انخراط «حزب الله» في الحرب السورية، فتعطيل الحياة السياسية والدستورية بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية جعلته يدخل «العناية الفائقة» في كل مرافقه السياحية والاقتصادية والسياسية، فهو اليوم يعاني تدنياً فاضحاً في موسم الاصطياف الذي ينعكس غياباً لاستثمارات وحركة اقتصادية مالية، كانت تشكل ركيزة كبيرة في الاقتصاد اللبناني على مرّ السنوات الماضية. انعكاسات تورط «حزب الله» في دماء الشعب السوري لم تنعكس سلباً على الداخل اللبناني فحسب، بل كانت لأضرارها الخارجية انعكاسات كبيرة تأتي في أولوياتها علاقته بأشقائه العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، فإلى متى سيبقى لبنان في «العناية الفائقة»، وكيف عليه استعادة دوره الريادي المحلي والعربي، ووفقا لرئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية السعودية ايلي رزق فإن ذلك يتمثل في عودة «حزب الله» الى لبنان وابتعاده عن السياسة الإيرانية. خسائر بالجملة وأسف رزق «كونه لا يزال هناك بعض القوى السياسية في لبنان تمعن إصراراً بتكبيد البلاد المزيد من الخسائر على كل الصعد»، مشدداً على ان «لبنان اليوم يخسر بعلاقاته السياسية والدبلوماسية والاقتصادية ليس فقط مع المملكة العربية السعودية أو دول الخليج، بل مع كل دول العالم والمجتمع الغربي، حتى أضحى اليوم أي حكومة تصف لبنان عندما تأتي على ذكره ب«الدولة الفاشلة»، فهذا نتيجة تقاعس من كل القوى السياسية وغياب نضج لإعلاء مصلحة لبنان أولاً ولإعطاء الدور الحقيقي له، وتغييبه عن كل المصالح الآنية الأخرى والتي تمعن بتدخلاتها الخارجية في شؤون وشجون دول عربية وخليجية وتساهم في زعزعة الاستقرار في تلك الدول». وقال: «أما اليوم، فعلى الجميع أن يعي أن لبنان لن يكون أبداً أكبر قوة عسكرية أو سياسية في المنطقة ولكن بإمكان لبنان أن يكون أكبر قوة اقتصادية في المنطقة ويفيد الخريجين اللبنانيين الذين يناهز عددهم 35 ألف خريج سنوياً، وهو يؤمن نموا حتى في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة»، وأضاف: «لكننا نرى أن لبنان اليوم تم أخذه رهينة لدى «حزب الله» بكافة مؤسساته الدستورية، حيث إن أهم استحقاق دستوري مثل انتخاب رئيس جمهورية تم أخذه رهينة بيد «حزب الله»، لافتاً الى «اننا نعي أنه في السياسة اللبنانية لدى كل قوى سياسية الحق في تبني أو تقديم أي مرشح تريده، ولكن ليس لديها الحق أبداً في امتناعه بالنزول الى مجلس النواب والتغيّب عن جلسات انتخاب الرئيس وتطيير النصاب». الرئاسة.. رهينة بيد «حزب الله» وتوجه رزق الى «حزب الله» بالقول: «اذا كنت جاداً في دعم ترشيح العماد ميشال عون فيجب أن تتبلور هذه الجدية في حضور «حزب الله» جلسات الانتخاب والقيام بالتصويت للجنرال عون عوضاً عن إرساء الاتهامات كما قال السفير السعودي علي عواض عسيري في الحفل التكريمي الذي اقامه له مجلس العمل اللبناني في الرياض «الشمس شارقة والناس قاشعة»، وبأن الأكاذيب لم تعد تنطلي على أحد، وهناك مسؤولية كبيرة على «حزب الله» وهي أن يفرج عن المؤسسة الدستورية في لبنان، ويذهب فوراً إلى طاولة حوار جدية مع القوى السياسية كافة؛ لتحصين ساحتنا الداخلية وتأمين دعم للجيش اللبناني وللقوى الأمنية، وإعادة الهيبة الى السلطة والدولة اللبنانية لمواجهة كل تداعيات الأزمة السورية والأزمات الإقليمية». السياحة.. معدومة وبشأن موسم الاصطياف، أكد رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية السعودية أن هناك تدنياً حاداً في عدد الأيام التي أتى بها مصطافون إن كان من دول مجلس التعاون الخليجي أو من دول العالم الأخرى، فلقد كان التدني واضحاً وفاضحاً بالنسبة إلى عدد السياح الخليجيين الذين كان عددهم قد ناهز 600 ألف سائح في أيام العز، علما بأن بيروت تنعم بنسبة استقرار وأمن أكثر بكثير مما تنعم به دول أوروبية أخرى، ولكن في تلك الدول هناك حكومات جادة وقوى أمنية تقوم فوراً بكشف المرتكب والقاء القبض على الجاني وتكون التحقيقات دائماً موضوعة بتصرف الرأي العام، ما يعطي نوعا من الجدية والمصداقية على التحقيقات، ولكن في لبنان الذي تعرض فقط الى حادثتين أمنيتين صغيرتين إن كان الحادث المؤلم الذي تعرض له بنك لبنان والمهجر حيث انه حتى الآن لم نر أي نتائج تحقيق مع العلم أن هنالك كاميرات كانت قد رصدت الحادثة وبات الأشخاص معروفين، ونجد اي حدث أمني صغير أو حتى آخر مثل تفجيرات القاع لم نعرف حتى الساعة من هي الجهة المدبرة أو المنفذة له وما هو الهدف منها. وشدد رزق على ان المسؤولية تقع ليس فقط على القوى الأمنية التي تقوم مشكورة بكل الجهود اللازمة للقيام بواجبها ولكن على القوى السياسية، لأن الأمن اليوم توافقي، والاستقرار الأمني هو نتيجة التوافق السياسي، وهناك ضرورة ملحة أن يكون هناك توافق سياسي على دور لبنان في تلك المرحلة والإنصراف الى تأمين نمو اقتصادي ومعالجة شؤون وشجون المواطن الاجتماعية وتحقيق استقرار أمني لكي نؤمن إعادة لبنان الى موقعه الطبيعي الجاذب الى السياحة الخليجية والعربية. وجزم رزق بأن ليس هناك أي قرار بحظر قدوم السائح الخليجي إلا من جانب دولة الامارات العربية المتحدة، أما بالنسبة الى المملكة العربية السعودية فكان هناك فقط تحذير من الذهاب الى لبنان، الا اننا لم نر أي خطوات جدية من قبل الحكومة اللبنانية والوزراء المعنيين، أولاً لدعوة سفراء دول مجلس التعاون الخليجي المعتمدين في لبنان للقائهم وشرح الخطة الأمنية التي تم تنفيذها حيث لم تكن هناك تغطية إعلامية كافية لإعطاء المصداقية لتلك الخطة لتحفز السائح على العودة الى لبنان. وقال: «ما رأيناه هذا الصيف كان هناك نسبة حجوزات ناهزت المئة بالمئة في بيروت، ولكن مدة الحجر كانت ثلاثة أو أربعة أيام عوضاً أن تكون مدة أطوال، أما في المناطق الجبلية فلم تتجاوز 70 بالمئة وهذه أرقام مخيفة»، وأضاف: «لقد تدنى معدل إيجار الغرفة، حيث إن غرفة من فئة 5 نجوم في لبنان معدل تأجيرها يبلغ 100 و150 دولارا بدلاً أن يكون ثمنها 250 و300 دولار. أما الغرف الفندقية خارج بيروت فمعدل تأجيرها مابين 40 و50 دولارا، وهذه الأسعار لا تؤمن حتى كلفة تشغيل تلك الفنادق، على الرغم من أننا شهدنا عودة الكثير من المغتربين والمنتشرين اللبنانيين في العالم والذين قدموا للسياحة في لبنان، ونحن كما كنا دائماً نقول لبنانيو الانتشار هم ثروة لبنان ونفطه وأعجوبة اقتصاده، ولكن على الدولة أن تؤمن لهؤلاء أبسط متطلبات الأمان، حتى سلامة الغذاء، فلقد شاهدنا على وسائل الاعلام الكثير من الفضائح في ملفات تمس سلامة الغذاء للمواطن اللبناني وكان المغترب اللبناني يشاهد وسائل الاعلام ويتريث بالمجيء الى لبنان». الحل بعودة «حزب الله» إلى لبنان وحول عودة موسم السياحة الى لبنان، أكد رزق «ان هذا الامر يتجلى في عودة «حزب الله» الى لبنان ويبتعد عن السياسة الايرانية. للأسف لم تعد العلاقات اللبنانية السعودية الى سابق عهدها والمسؤولية تقع على عدم جدية كافة القوى السياسية اللبنانية التعامل مع هذا الملف في ظل الرؤية الجديدة لقيادة المملكة العربية السعودية الحكيمة، وعلى الجميع أن يعلم أن هناك القيادة الجديدة في المملكة هي قيادة حكيمة وواعية تحاول الانتقال بالمملكة الى نظام متطور يتناسب مع متطلبات القرن الواحد والعشرين». وزاد: «علينا فقط أن تكون لدينا قيادات تعي هذا التغيير النوعي وتتعامل معه بكل ايجابية، حيث إن هناك تحديات كبرى تواجه المملكة العربية السعودية تتمثل في مواجهة مشروع التوسع الايراني الفارسي في المنطقة، والتدخل المؤسف والمستنكر والمفروض لبعض أجهزة في «حزب الله» في تنفيذ عمليات إرهابية ابتداء من الأراضي اليمنية ضد الأراضي السعودية أو البحرينية أو أي دولة خليجية أخرى، وعلينا جميعنا كقوى سياسية أن نقف متحدين في مواجهة رغبة «حزب الله» في الاستفراد بالقرار اللبناني وتغيير صورة لبنان الحقيقية». وتابع: «لقد تراضينا في اتفاق الطائف أن الوطن شراكة للجميع، والشراكة تعني مشاركة الجميع في القرار لا أن يستفرد «حزب الله» إن كان سواء في مقاومته العبثية التي جلبت الخراب والويلات على لبنان، أو عبر تدخلاته السافرة في الرمال المتحركة السورية والتي لم تأت على لبنان إلا بالويلات والمصائب، حيث شرعت ساحتنا لأن تكون مفتوحة على صراعات مع منظمات لم نسمع بها من قبل، وأصبحت الساحة اللبنانية التي تعاني من وجود مليوني نازح سوري على أرضها، ونحن نخشى ما نخشاه أن يكون هناك تحضير لحرب أهلية جديدة يكون وقودها هذه المرة ليس منظمة التحرير الفلسطينية إنما الشعب السوري». أخيرا ذكّر رزق «حزب الله» انه لولا تكاتف المجتمع اللبناني وتضامنه معه لما كان ليتمكن من تحرير لبنان من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبالمقابل فان الشعب اللبناني بكامل قواته يؤمن بأن ما بين المملكة العربية السعودية ولبنان وما جمعه الله لن يفرقه «حزب الله» فنحن شعب نخاف الله وليس حزب الله.