تسببت أكبر شركات المقاولات في السعودية في أزمة اجتماعية بعد أن امتنعت هذه الشركات الكبرى عن دفع التزاماتها تجاه موظفيها وتجاه الشركة الموردة لها وامتدت إلى البنوك الدائنة لها، وقد أصدرت الفلبين قرارات بعدم التعامل مع بعض الشركات السعودية التي امتنعت عن دفع الرواتب، وهذه سابقة خطيرة حيث يمكن أن يشمل هذا القرار جميع الشركات السعودية، ولا شك أن العمالة الفلبينية تعتبر من أمهر العمالة الموجودة في المملكة خصوصا إذا علمنا ان جزءا كبيرا من هذه العمالة يشتغل في القطاع الصحي الذي نواجه فيه نقصا كبيرا بالكوادر الوطنية وأي اخلال في هذا القطاع سينعكس مباشرة على المواطن، كما قامت الهند بإرسال كبار مسؤوليها لحل مشكلة أزمة الرواتب لرعاياها بعد ما ذكرت بعض الصحف الهندية أن العمالة الهندية أصبحت الآن لا تملك قوت يومها بعد أن امتنع أرباب العمل عن تقديم حتى وجبة الطعام وأصبحت هذه العمالة سائبة بالشوارع تستجدي الرزق، لا شك أن هذه العمالة ستتحول إلى عصابات ومافيات خصوصا إذا طالت أزمة الرواتب ولم يتم حل مشكلة الرواتب وترحيل هذه العمالة. ولم تقتصر أزمة الرواتب على الفلبينوالهند وان كانت هاتان الدولتان اول من تحرك ولكن أزمة الرواتب شملت كل الجنسيات الآسيوية والعربية وللأسف أيضا شملت الموظفين السعوديين، وقبل أن أتحدث عن السعوديين لنتصور الأزمة الدبلوماسية التي ممكن أن تنشأ بين السعودية وجمهورية مصر العربية وكذلك دولة باكستان هذه الدول الحليفة لنا استراتيجيا فمصر الآن تمر بأزمة اقتصادية خانقة وهي تعتمد اقتصاديا على حوالات العمالة المصرية الموجودة في الخارج، ومن المعلوم أن أكبر عدد عمالة مصرية تعمل في الخارج موجود في السعودية، وبالتالي اي ضرر يلحق بهذه العمالة يعتبر اضرارا بالاقتصاد المصري والمجتمع المصري، وكذلك العمالة الباكستانية هي العمالة الأكثر انخراطا بالتشييد والبناء وبالتالي قد تكون هي العمالة الأكثر تضررا من عدم التزام شركات المقاولات والبناء بدفع الرواتب، وبكل تأكيد أن العمالة الباكستانية لن تغادر البلاد حتى لو لم تدفع لها الرواتب؛ لكون الوضع الاقتصادي في باكستان لا يستطيع أن يوفر لهم الوظائف فلهذا فإن العمالة الباكستانية غالبا ما تكون عمالة سائبة في الشوارع تبحث عن عمل باليومية، وهذا سيزيد العبء على الجهات الأمنية لكون بعض هذه العمالة مجهول الهوية وغير مسجل رسميا. اما الموظفون السعوديون وهم الأهم في هذه الأزمة كون المواطن هو أهم عامل في بناء الاقتصاد الوطني وأي خلل سيعطل نمو الاقتصاد الوطني وكذلك يعطل الوصول إلى رؤية 2030 هذه الازمة تعتبر اختبارا للقوانين والأنظمة التي تحكم بين صاحب العمل والموظف السعودي وقد كشفت هذه الأزمة ضعف قوانين وزارة العمل وعدم مقدرتها على حماية الموظف السعودي بأبسط حقوقه وأهمها وهو اجره الشهري الذي يعمل لأجله، كما أن مؤسسة النقد هنا تتحمل مسؤولية أيضا فلا يجوز اقتطاع أي مبلغ مالي من الموظف إذا قدم الموظف ما يثبت توقف راتبه، فكنا نتمنى من مؤسسة النقد أن تلزم البنوك بعدم المساس برصيد الموظف المقترض من البنك بضمان الراتب؛ لان الاتفاق بين البنك والمقترض ان يتم الاقتطاع من الراتب فقط وليس من أي مصدر دخل آخر للمقترض وان اي اقتطاع مالي من الموظف يعتبر مخالفة يغرم البنك عليها. ستنتهي إن شاء الله هذه الأزمة، لكن لابد أن نستفيد منها بتعديل القوانين والأنظمة لحماية الموظفين والعاملين الذين يعتبرون الحلقة الأضعف في هذه الأزمة كون هذه الرواتب ليست للموظف فقط فهي لأسرة هذا الموظف من الأبناء والزوجة والوالدين، وبذلك يكون جميع افراد المجتمع متضررين من هذه الازمة. لقد أثبتت هذه الأزمة ان الاعتماد على شركات مقاولات اجنبية تلتزم بتوظيف السعوديين افضل من الاعتماد على شركات مقاولات سعودية تعتمد هي بالأصل على العمالة الأجنبية في تنفيذ مشاريع رديئة ومن ثم تقوم بتحويل أرباحها للخارج وعدم استفادة الاقتصاد الوطني منها، ونعلم أن شركات المقاولات السعودية حققت أرباحا خيالية خلال العشر السنوات من الطفرة وسقطت في أول امتحان واجهه الاقتصاد السعودي.