تعبر العادات والتقاليد في مجتمع ما عن تجارب طويلة لحياة السكان خلال تاريخهم الحافل بالأحداث والتطورات، ويترك سلوك السكان وأنماط عملهم ومعتقداتهم أثراً واضحا في المجتمع ويميزه بعادات وتقاليد خاصة ، تتناقل هذه العادات والتقاليد من الآباء إلى الأبناء وتتوارثها الأجيال على مر العصور كغلاء المهور وعضل الفتاة أو تزويجها لابن عمها فقط ،ثم المنع من التعليم أو العمل كل تلك العادات بدأت تتلاشى تدريجياً إلا أنها لم تنته الأمر الذي جعل أثرها السلبي قائما ضد المجتمع المحلي. « اليوم « طرقت القضية والتقت بعدد من الشباب ورجال الدين والعلماء لمناقشة الأثر السلبي الناتج عن تلك العادات. وفي البداية قال الشاب « منصور الأسمري»: أنا جدا مع محاربة الأفكار التي تنتمي بالحقيقة إلى الجهل وليس للعادات والتقاليد مشيراً إلى أن زواجه كلفه مائتي ألف ريال في حين كان مهر الزوجه ثلاثين ألف ريال إلا أن العادات الاجتماعية تجبر الشباب على المزيد من التكاليف التي تثقل كاهله دون وجود فائدة حقيقية وراء تلك التكاليف, ودعا الأسمري جميع المؤسسات التربوية والاجتماعية إلى ضرورة التخفيف من الأعباء التي ترهق المجتمع وتسبب هدرا مالياً. وقالت « سارة الحمد» من العادات الاجتماعية المزعجة والتي لا تزال متوارثة حتى الآن «حجز» الفتاة لابن عمها منذ طفولتها ليتم تزويجها منه قسرا، هذا الأمر وما يترتب عليه من عواقب وخيمة، يتم في غياب القوانين رغم تعارضه مع مبادئ الشريعة. حيث إن الزواج يتم بالإكراه أو بغض النظر قبول الطرفين ببعضهما بحجة الحفاظ على «نقاء العائلة» «وأضافت: لقد ترعرعت مع ابن عمي منذ نعومة أظافري، وهو بمثابة أخ لي فكيف يمكنني تقبله كزوج؟!. وأوضح الدكتور صالح اليوسف أن العادات والممارسات الخاطئة تنشأ في المجتمع من خلال تكرار العادة حتى تتأصل في المجتمع ولهذا تحتاج لإزالتها إلى وقفة مجتمعية قوية للتصدي لها وإزالتها لأن غالب أفراد المجتمع يجامل ولا يريد الانفراد أو المبادرة أو الحل مع أن الكثير من العادات فيها مخالفات شرعية كالإسراف وهضم حق الغير ومثل هذه العادات يمكن فشكلتها في أن الأجيال تتوارثها حتى يقوى التمسك بها ثم يصعب تركها ، وأكد أن الدعاة ورجالات المجتمع لهم سبق المبادرة في إيضاح الخطأ في بعض العادات المخالفة للشرع أو التي فيها إسراف أو محظور شرعي. وأكد أنه يجب علينا كأفراد تجاه هذه العادات أن نعلم بأن محاربة مساوئ العادات الفاسدة مسؤولية كل شخص دون استثناء ، وهي ليست حكراً على طبقة العلماء والمثقفين والأعيان فقط ، والإحساس بضرورة حث النفس على التحرك من أجل هذا الأمر ، فيجب ألا نعطي الفرصة للعادات غير الجيدة ببث سمومها علينا ، ولسعها للبعض لا يدل أبداً على تركها لنا . مثل أولئك الذين لا يعيرون اهتماماً لقضية غلاء المهور وعادات الزواج المكلفة ، ولكنهم يقفون حيرى عندما يقررون توديع حياة العزوبية فيلمسون بإحساسهم هذه العقبة ، وحينها فقط يأخذون بندب الحال والمطالبة بإيجاد الحلول . كما أنه يجب إعمال الفكر بالتفريق بين العادات الرديئة التي تتطلب منا المكافحة وجعلها هدفاً للتبديل والتغيير ،وبين العادات الحسنة التي يجب نشرها والدفاع عنها وجعلها هدفاً للترميم والتجديد . الآلة الإعلامية شاركت الأسرة في التأثير على الأبناء بين مدير الشؤون الاجتماعية بجمعية وئام للرعاية الأسرية الدكتور إبراهيم الصيخان أن التغير قد أصاب الأسر بشكل كبير وحد من دورها في المحافظة على هويتها الخاصة وهوية المجتمع بشكل عام، فقد ضعفت في العقدين الأخيرين، في القيام بدورها من حيث التأثير في أبنائها بشكل مباشر، ودورها في التنشئة الأسرية السليمة بعيدا عن الغزو الذي أصاب المجتمع من عدة جهات، فالآلة الإعلامية والتقدم التكنولوجي الذي شارك وزاحم الأسرة في التأثير على الأبناء في تشكل شخصيتهم، افقدهم توازنهم، وضيع هويتهم. وزاد ما نشاهده من سلوكيات اجتماعية من الشباب والفتيات علنية، لم تكن مقبولة في فترة زمنية سابقة، فالملابس وقصات الشعر، وسلوكهم في الأماكن العامة والمناسبات الاجتماعية ، تنبئ بأنهم قد فقدوا الكثير من هويتهم فما هو مخجل في السابق، لم يعد كذك في الوقت الحالي . والأكثر ألما في النفس تجرأ الكثير من الفتيات على الحياء، وعلى التقاليد الاجتماعية التي كانت في يوم من الأيام ضابطاً لسلوكهن الاجتماعي ، وفي الطرف الآخر المجتمع بشكل عام من حيث مؤسساته المختلفة هي الأخرى قد أصابها خلل في دورها في المحافظة على هوية المجتمع تجاه هذا التغير المتسارع و غير المنضبط، مما انعكس على صورة المجتمع بشكل كامل ، وأضاف الصيخان من كان يتوقع أن يضعف دور المدرسة التربوي إلى هذه الدرجة، ولم يعد مؤثرا كما كان هو في السابق، ومن كان يتوقع أن بعض الوسائل الإعلامية أصبحت عامل مساعد في تأثير العوامل الخارجية سلباً على المجتمع . وقال : لكي نعيد الأمر إلي نصابه الصحيح ونردم الهوة التي حدثت من جراء هذا التغيير السلبي، أن تتحالف كافة مؤسسات المجتمع بمختلف مستوياتها، لتشعر بالمشكلة أولا، ثم تضع لها استراتيجيات متكاملة، لإعادة الأمور إلي نصابها الصحيح. وثالثاً فالأسرة بحاجة إلي أن تعود إلى دورها الحقيقي في توريث تلك النظم والسلوكيات الاجتماعية للأجيال، وان نقف معها في تحقيق هذه المهمة. وهذا سوف يساعدنا من جهة لنحافظ على مكتسبات التطور العلمي والاجتماعي، ومن جهة أخرى نعيد هوية مجتمعنا إلي عهده السابق، وان لا تكون الصورة القديمة الايجابية معيبة في نظرنا. الثقافة الناتجة عن العادات لها دور في صياغة النجاحات قال أستاذ الإدارة الإستراتيجية المساعد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور سامي الوهيبي : تلعب الثقافة الناتجة عن العادات الاجتماعية دوراً كبيراً في صياغة النجاحات وديمومتها سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية ، وبين ان احترام (أو حب) النظام ، وهو عامل أساسي في النجاح الاقتصادي ، ولا يمكن لنهضة اقتصادية أن تقوم فضلا عن أن تدوم في ظل مجتمع مبني على ثقافة عدم احترام النظام أو الفوضى ، وليس صعبا أن تكتشف ما إذا كان مجتمعنا قائما على احترام النظام أم الفوضى ، فما عليك الا أن تنظر إلى قيادة الناس للمركبات في الشوارع ، هل فيها احترام لحقوق الآخرين أم لا . المسحراتي من العادات القديمة واضاف : في المنزل هل يوجد نظام يساعد الأبناء في تحديد أوقات اللعب ومشاهدة التلفزيون والقراءة والنوم ونوعية الأكل ، أو لا يوجد نظام بتاتاً ، ولذلك ليس عيباُ أن نعترف أن حياتنا مؤسسة على ثقافة الفوضى ومن ثم نتكاتف لبناء ثقافة النظام ، ولكن العيب أن تكون الفوضى هي النظام الذي نقبل به جميعا لنبني عليه حياتنا . وأكد الدكتور الوهيبي على اهمية تقبل المجازفة ، فالازدهار الاقتصادي مرتبط بقدرة أفراد المجتمع على إتخاذ قرارات على جميع المستويات تحتوي على قدر من المجازفة المحسوبة ، وأحد العوامل التي تمنع أفراد مجتمعنا من إتخاذ قرارات جريئة هي الخوف من الفشل ، مع أن من يدرس قصص النجاحات الكبيرة يجد وراءها قصص فشل بنفس الحجم .