فشل المحاولة الانقلابية في تركيا واغلاق قاعدة انجرليك الجوية في جنوبي البلاد أثارا مخاوف الدول الغربية وطرحا اسئلة جديدة حول مدى حكمة واشنطن في تخزين حوالي خمسين قنبلة نووية من نوع (B61) في هذه القاعدة، التي اعلنت الحكومة التركية ان بعض المتآمرين انطلقوا منها ما جعلها تغلق القاعدة وتفصل عنها التيار الكهربائي ثم توقف مؤقتا العمليات الامريكية، التي تنطلق منها ضد تنظيم داعش في سوريا. الانقلاب الفاشل لم يثر فقط المخاوف من احتمال وقوع هذه الترسانة في يد ارهابيين، وانما اثار اسئلة عن دور تركيا في حلف الناتو ومدى قدرتها على المشاركة في عمليات الحلف اذا لم يعد جيشها محل ثقة. وان وجود قادة مارقين في قوة جوية يطيرون في اجواء تركيا يستدعي للاذهان سيناريوهات كثيرة لم تكن في حسبان الناتو. فالمفهوم الذي تكون بعد التمرد عن تركيا بالنسبة لاعضاء الحلف هو انها اصبحت حليفا يصعب العمل معه. واذا كانت المخاوف في الماضي تأتي من ان لتركيا خلفية اوتقراطية فقد كانت مستقرة اما اليوم فقد ظهرت اوتقراطية سلبية ربما تتسع بشكل سريع والبلاد غير مستقرة. هناك مشكلة اخرى وهى الخلاف الذي نشب حول صفقة الثلاثة بلايين دولار، التي وافق الاتحاد الاوروبي على دفعها لتركيا مقابل تعهدها بقفل باب تسرب اللاجئين المسلمين والتكدس على حدود الاتحاد. وما حدث الاسبوع الماضي يثير الشكوك بشأن امكانية وضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ. تقوم صفقة منع وصول اللاجئين لاوروبا على تعهد الاوروبيين بتوفير تلك الاموال وفتح الباب امام تحرك المواطنين ورجال الاعمال الاتراك عبر دول الاتحاد على موافقة الرئيس رجب طيب اردوغان على تغيير القوانين، التي تحد من عمل المعارضة. لكن قوات هذه المعارضة حاولت قلب نظام اردوغان ما يجعل امكانية تعديل القوانين غير واقعة في الوقت القريب. ايضا اصبحت مطالبة الاوروبيين بتغيير القوانين التركية، التي تحكم اجراءات المشتريات الحكومية حتى تكون اكثر قربا من المعايير الاوروبية والتي يعتقدون ان اردوغان يستخدمها لمكافأة رفاقه في حزب العدالة والتنمية ابعد منالا مما كان ينتظر. ايا من هذه التكهنات ليس مفيدا لا بالنسبة للصفقة الاوروبية التركية حول اللاجئين ولا للجهود التي تبذل لما يعتبرونه ممارسات استبدادية يقوم بها اردوغان لاعادة صياغة وأسلمة مجتمع تركيا العلماني، وهو موضوع الخلاف الذي طالما وضع اوروبا وتركيا على مسارين متباينين على مدى العشر السنوات الماضية. تهديد اردوغان الاسبوع الماضي بإعادة تفعيل عقوبة الاعدام، التي يشكل الغاؤها بندا في العقيدة الاوروبية اعتبر لحظة رمزية معبرة توحي بأن تركيا عازمة على ادارة ظهرها للغرب والتوجه شرقا. خطوة كهذه من شأنها تقوية موقف المعارضة اليسارية في أوروبا ضد اتفاق اللاجئين، الذي عارضته بقوة من قبل وعارضه السياسيون والسلك القضائي في اليونان بالاضافة الى المنظمات غير الحكومية. إلى جانب موضوع اللاجئين يتخوف الاوروبيون من احتمال حدوث تداعيات امنية في المنطقة نتيجة المحاولة الانقلابية، ويتحدث مسؤولون غربيون في مجالسهم الخاصة عن مخاوفهم من تسخير الحكومة جهاز الدولة والامن في عمليات القمع والتطهير الداخلي ما يجعلها اقل فعالية في ادارة عمليات مواجهة التهديد الخارجي، الذي يمثله حاليا داعش. لم يعد هناك ما يدل على امكانية استقرار الاقليم بل بدت مخاوف متنامية من ان يفتح اردوغان ابواب تدفق اللاجئين ويلقي على اوروبا ما بات يعرف بالقنبلة البشرية. لقد لاحظ مراسلو وسائل الاعلام تردد الولاياتالمتحدة واكثر من عاصمة غربية في ادانة الانقلاب قبل ان يتأكد فشله. فبالرغم من ان العملية كانت انقلابا عسكريا صريحا على الشرعية، فإن سفارة الولاياتالمتحدة في انقرة اطلقت عليه في رسالتها الاولى للشعب الامريكي ان ما حدث هو انتفاضة uprising ووزعت جيوبليتكل فيتشر تحليلا قالت فيه ان الانقلاب قد نجح. واذاعت «بي بي سي» وشبكات الاخبار الامريكية وبعض القنوات العربية برقيات قالت فيها ان اردوغان قد انتهى او هرب الى المانيا. وتلاحظ ان القنصلية الفرنسية اغلقت ابوابها قبل يومين من الانقلاب ما اثار تساؤلات عما اذا كانت على علم بما سيحدث. عندما كان الاتراك يخوضون معركة شرسة من اجل مستقبلهم، التزم قادة الدول الغربية، التي ترفع شعار الديمقراطية الصمت، فيما كانت الديمقراطية متأرجحة في تركيا. ولم يدن وزير الخارجية الامريكي جون كيري في تصريحه الاول ما يجري في تركيا الانقلاب، ولم يستخدم اي عبارة تشير الى ان بلاده تدعم الرئيس والبرلمان المنتخبين شرعيا، لكن بمجرد تأكد فشله سارع الرئيس اوباما وكيري لاصدار بيان يدعم بوضوح اردوغان.