أكد الدكتور أحمد العلي، مدير عام الشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية الأسبق، وعضو مجلس إدارة جمعية كَنَف حالياً، أن مبادرة أرامكو السعودية «أريد أن أسمع»، جاءت في الوقت المناسب، مشيراً إلى أن هذه المبادرة، التي يحتاجها المجتمع بشكل كبير، ساهمت في اكتشاف وحل مشكلات السمع لدى الكثير من الأطفال المصابين، فضلاً عن مساهمتها في إنقاذ الحياة الاجتماعية والعلمية والعملية للمصاب، سواء كان صغيراً أم كبيراً. وأوضح الدكتور العلي، أن العديد من الأُسر، وخص هنا الأمهات، تشخّص مشكلات أطفالهم وسلوكياتهم على أنها علامات لأمراض ليس من بينها مشكلات السمع، وهذا التشخيص الخاطئ يحدث أيضاً في تقييم الأطباء على مستوى العالم، حيث يُسيئون التشخيص في بعض الأحيان، الأمر الذي يوجِّه الحالة إلى مسار آخر يزيد من تفاقم المشكلة، فضلاً عن ضياع عنصر كان من المفروض أن يكون فاعلاً في المجتمع. وتطرق الدكتور أحمد العلي إلى أحد المواقف التي واجهها حينما كان مديراً لمستشفى الولادة والأطفال بالدمام في نهاية الثمانينات، حيث جاءه والدان بطفلهما البالغ من العمر 5 أعوام، وكانا يعتقدان حينها أنه معاقٌ ذهنياً، قبل أن يتفاجآ بعد فحصه من قبل الطبيب، بأن لديه نقصاً في الغدة الدرقية، الأمر الذي سبَّب له بطئاً في الإدراك والاستيعاب، ما يعني أنه لم يكن معاقاً ذهنياً كما كانا يعتقدان. ويقول العلي: «إنه نظراً لأن هذا المرض شائع، وحتى لا يظن الآباء والأمهات أن أعراضه هي أعراض إعاقة ذهنية، قررنا أن يكون فحص الغدة الدرقية لحديثي الولادة أمرا أساسيا، وبموجبه يتم إعطاء العلاج إن وجدت الحالة. وخلال سنة اكتُشف أن نسبة نقص الغدة الدرقية الوراثية لدى المواليد في السعودية تبلغ نحو 4 حالات لكل ألف نسمة، في الوقت الذي كانت إحصاءات الولادة في المستشفى تسجل ولادة 30 طفلاً يومياً». وأضاف: «لكم أن تتخيلوا كيف أنقذنا مسار حياة أولئك الأطفال، بفضل الله، فلا نعلم ما الذي سيحلُّ بهم في مجتمعٍ لا يملك الخبرة ولا الوعي. ولنَقِس عليه مشكلات السمع التي تبدو أعراضها مريبة لمن لا يدركونها، وقد سبق أن شخَّص بعض الأطباء حالات مرضية بأنها تعاني من (التوحُّد)، ولكن بالفحص الدقيق اتّضح أنها تعاني من مشكلات في السمع. وهذا بلا شك بسبب عدم الدراية وقلة الوعي لدى المجتمع، بما فيهم شريحة الأطباء». تأثير مشكلة السمع كبير في مجتمعنا وفيما يتعلق بتأثير مشكلة السمع لدى الأطفال يقول الدكتور العلي: «الطفل المصاب بمشكلة في السمع لا يكون بمقدوره عادة التواصل مع محيطه وبالتالي يكون منعزلًا عن المجتمع، وإذا ما استمر ذلك مع الطفل فإنه سيفقد النطق، ولا يبقى معه سوى حاسة النظر، ويؤسفنا أن في مجتمعنا من ينظر إلى المُصاب على أنه أقل درجة في التفكير والسلوك وهذه مشكلة أخرى قد تنتهي بالتشخيص كإعاقة ذهنية، وهو ليس كذلك، وإنما بسبب عدم قدرته على التواصل الذي يجعله لا يستفيد من قدراته العقلية. وبذلك التشخيص الخاطئ تفقد الأسرة ويفقد المجتمع هذه الفئة التي هي بطبيعة الحال أذكى من غيرها لأنها تحاول تعويض النقص لديها باستخدام الحواس الأخرى، وكواحدة من الأعراض اللاحقة لفقدان أو ضعف السمع، في حال أن الأسرة لم تنتبه لهذا الشيء، يظهر على الأطفال فاقدي السمع أنهم مفرطو الحركة، فهم يريدون أن يعوضوا مشكلة السمع بالحركة لتنبيه الآخرين بوجودهم، ولأنهم يريدون أن يثبتوا حضورهم أمام أقرانهم من الأطفال، وقد يُفسِّر الوالدان ذلك على أن طفلهما عدواني. وفي حال استمرت المشكلة مع نمو الطفل فإن هذا سيقود إلى مخاطر مؤلمة تزيد معها صعوبات تصحيح مسار حياته». تعطيلٌ للتطوّر والتقدم وبيّن عضو مجلس إدارة جمعية كَنَف، «أن الإحصاءات تفيد بوجود حوالي 200 ألف شخص لديهم مشكلة في السمع، فهذا يعني أن هناك تعطيلا لإنتاجية هذا العدد في مختلف المجالات التي كان من المفترض أن يُفيدوا فيها مجتمعهم. لذلك، فإن المسارعة بتشخيص حالاتهم وعلاجهم ستحدُّ من الكثير من المخاطر، ولأن حلَّ هذه المشكلة متوافر ويُفرِج عن عناصر وكوادر فاعلة في المجتمع قد تكون مميزة ومبدعة، فمن الأجدر إعطاء الأولوية لهذه الفئة من قِبَل وزارة الصحة أو الوزارات المعنيّة الأخرى أو حتى على مستوى المسؤولية الاجتماعية وشركات التأمين». هل للمعلِّم دور في اكتشاف مشكلة السمع؟ وعن دور المعلم في اكتشاف مشكلات السمع لدى الأطفال يقول الدكتور أحمد: «إن الجهات التعليمية ليست بمنأى عن هذه المشكلة، فلها دور كبير ومشترك مع الجهات التي تقدم الخدمات الصحية والتي ينبغي أن توجِّه توعيتها للمعلمين والمعلمات في كيفية اكتشاف مشكلات السمع لدى الطلاب والطالبات، إذ يقضي المعلم مع طلابه نحو 6 ساعات، ولذلك يمكنه ملاحظتهم ومراقبة تفاعلهم، فالأجدر به أن يكون على قدرٍ من الدراية والخبرة. وفي الوقت الذي قد يرى فيه الوالدان أن لدى طفلهم مشكلة ذهنية فكرية، فإن المعلم قد يكتشف أن الطفل ذكيٌ ومتعاونٌ ولكنه يعاني من مشكلة في السمع، ولكي يقوم المعلم بدوره، يجب تثقيفه وتعريفه بأعراض مشكلات السمع». وعن الأهداف المرجوة من هذه الحملة يقول الدكتور أحمدالعلي: «لا يمكن أن نجزم بأن جميع مشكلات السمع يمكن حلها، فهناك حالات متقدمة، وما أودُّ أن أقوله هنا هو أننا إذا لم نتمكن من حل هذه المشكلات المتقدمة فعلى الأقل لنقف مع أصحابها ونهيئهم ليعيشوا حياة كريمة بحالة نفسية أفضل، ونشجّعهم على الاستفادة من بقية الحواس التي منحهم الله إياها بتعليمهم كيفية التواصل مع المجتمع دون التأثير عليهم. هذا إلى جانب أن من تُحل مشكلة السمع لديهم فإن حالتهم النفسية تتحسن بنسبة 70%، لأن الحالة النفسية المتوترة لديهم تؤدي إلى مشكلات في القلب والمخ وارتفاع الضغط. فإذا حرصنا على تهيئة الحالة النفسية لهم فإننا نسير في الاتجاه الذي تسير فيه «رؤية السعودية 2030» لرفع متوسط الأعمار من 74 إلى 80 عاماً». وحول استخدام لغة الإشارة لمساعدة الأطفال المصابين بمشكلات في السمع، يقول الدكتور أحمد: «إن استخدام لغة الإشارة في وسائل الإعلام نادرٌ جداً، ومن هنا يجب ترقية الوسائل الخاصة بمخاطبة فاقدي السمع، كوضع النص الذي يتلوه المذيع إلى جانب لغة الإشارة، ففاقد السمع يمكنه أن يرى ويقرأ، وأرجو أن تراعي الجهات الإعلامية تطوير برامجها بما يتناسب مع هذه الفئة حتى تتمكن من معرفة ما يجري حولها، وتستفيد من الحلول العلمية بطرق أفضل. وعلى الجانب الآخر، ليس لدينا العدد الكافي من المترجمين، ورغم أعدادهم القليلة، إلا أنهم يقدمون عملاً جيداً على مستوى البرامج أو حتى على مستوى الفعاليات، وفي هذا الجانب؛ يجدر بالجهات التي توظف الخريجين أن تضع مسميات لهذه الوظائف، وبذلك ستشجع طلاب الجامعات على الانخراط والتعلُّم في هذا المجال أسوة بالمعاهد التي تقوم بتخريج مترجمي لغة الإشارة. والمفترض في ديوان الخدمة المدنية أو جهات التوظيف أن تخصِّص مزايا وتشجع على التقدم على وظائف التعليم الخاص، التي تفتقد إلى معلمين من أبناء الوطن، وكثير منهم لا يدركون حجم النقص في مثل هذه الوظائف، وهي تنطوي على عددٍ من المزايا والمحفزات. فأدعو المعنيين إلى النظر باهتمام إلى هذه الوظيفة وتوعية المجتمع بأهميتها». دور التطوّع في الوعي بالمشكلة أما ما يتعلق بالعمل التطوعي ودوره في التوعية بهذه المشكلة، فيرى الدكتور أحمد العلي أن أفراد المجتمع المتطوعين هم عناصر فاعلة في منظومة التوعية، وجزءٌ مشارك في تأدية الرسالة بحماس وابتسامة لا تفارقهم، «فالتطوع ليس محصوراً في المساعدة، بل هو فريق عمل يساند تحقيق رؤية إنسانية، ووجدنا أن المتطوع يقوم بدور أفضل حتى من الموظف، لأنه يعمل لوجه الله، ولن يقبل إلا بإتقان العمل، فتجده يبدع ويبذل كل جهده في سبيل إتقان عمله». ووجه الدكتور أحمد العلي رسالتين للمجتمع وللأمهات، للتوعية بمشكلات السمع لدى الأطفال، فقال: «بفضل الله ثم بفضل العقول النيّرة التي وضعت فكرة هذه المبادرة وناقشتها ونفذتها سعياً لإزالة أو التقليل من هذه المشكلة، استطاعت أرامكو السعودية أن تصنع الفرق في هذه الحملة، التي هي دليلٌ على الوعي في هذه الشركة، وأودُّ أن أوجه رسالتين؛ الأولى إلى الأمهات، إذ يجب عليهن ملاحظة أطفالهن، ومدى تجاوبهم معهن، فإن لاحظن ما يريب، فيجب عليهن أن يصطحبن أطفالهن إلى الطبيب الذي سيقوم بدوره بالفحص الدقيق لهم وتشخيص مشكلاتهم. أما الرسالة الثانية، فأوجهها إلى المجتمع، ومفادها أن كل فردٍ يسير في الشارع يختلف عن الآخر، فهناك المريض وهناك المتعافي، ولكلِّ مرضٍ أعراضه ومُثِيراته، فلا نفترض دائماً أن الذي يسير في الشارع متعاف تماماً، وكم من حوادث السير المرورية وقعت بسبب مشكلات السمع، التي يعاني منها الناس، فلنكن رُحماء في مجتمعنا وعلى قدرٍ من التفاهم والمسؤولية».