في ساعة متأخرة من الليل، تداعت الاخبار على مسامع الشارع العربي والإسلامي، عن حصول انقلاب عسكري في العاصمة التركية، استهدف حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، تقوده مجموعة خاصة من قيادات الجيش، حيث نجحت في احتجاز رئيس الأركان، وقصفت مبنى البرلمان واستولت على التلفزيون الرسمي. كانت الأجواء متوترة، ودب القلق بين أوساط المثقفين العرب، لكون تركيا العدالة والتنمية تلعب دوراً رئيسياً في الساحة السياسية العربية، وعليه فإن الجمهور العربي منقسم كعادته، في الزاوية التي ينظر منها لتركيا الحالية، ولسياستها الخارجية. قسم كبير منهم، ومعظمهم ذو توجهات إسلامية، دخلوا في نوبة هلع، على مستقبل الإسلام السياسي، في حال سقوط تجربة العدالة والتنمية، بعد اسقاط أختها في مصر. هذا الخوف مبرر لعدة أسباب، أهمها، أن إسطنبول أصبحت عاصمة النشاط السياسي للإسلاميين، وهي تحتضن الكثير من الفارين أو المهاجرين من كوادر الأحزاب الإسلامية، كما أن حزب العدالة والتنمية أصبح القائد الفعلي ولسانهم الفصيح بعد وأد التجربة المصرية. على الضفة الأخرى، ثمة فريق ينظر للتدخل التركي في الشأن العربي بنظرة سلبية، ويعتبر أن هذا التدخل، وإن كان يتقاطع مع مصالح بعض دول الخليج مؤقتاً، إلا أنه في نهاية المطاف يفرش التربة الخصبة التي تُسهل إيصال الإسلاميين للسلطة، وهو أعلى طموحاتهم طبعاً. خصوصاً، أن التاريخ العثماني في التعامل مع العرب، كانت له سيئاته الكثيرت. هذا «الانتصار» الذي حققه أردوغان، خصوصاً بعد خروجه في بث على إحدى القنوات من خلال هاتفه النقال، أعاد ضخ الأوكسجين في جسد الذين دخلوا في غيبوبة سياسية منذ اسقاط التجربة المصرية. أردوغان قائد سياسي محترف، يجيد التعامل مع الملفات السياسية الشائكة، ولا اعتقد بأن أحداً بهذه التجربة والتاريخ، لم يكن متفطناً لمثل هذا اليوم، الذي سيحاول فيه العسكر الإطاحة به، خصوصاً، وأن الجيش التركي له سوابق كثيرة في الانقلاب على الحكومات التي لا تطيع وتنفذ سياسته، ولكون الحزب دخل في مرحلة تراجع على المستوى المحلي، بعد سلسلة من النجاحات المبهرة على مستوى الاقتصاد والتنمية، جعلت من تركيا واحدة من أهم اقتصاديات العالم، بعد تطبيع علاقاتها مع جيرانها، وكذلك المصالحة التاريخية مع الأكراد. وجميع هذه الأمور ساهمت بلا أدنى شك في رفع أسهم حزب العدالة والتنمية، ومن تمكين الرئيس أردوغان من تعزيز وجوده في الحكم. لكن في السنوات الأخيرة، ومع سياسة الحزب التدخلية التي انتهجها خارجياً، خلق لنفسه أعداء كثرا، حيث انعكست هذه الأخطاء على العلاقات التركية الداخلية، مع الأكراد والعلويين على وجه الخصوص، وبدأت تتعاظم الأزمة أكثر بعد تراجع الاقتصاد. الأكيد أن الانقلاب الفاشل قد عزز من شعبية أردوغان وحزبه داخل تركيا، كما أحيا عظام بعض الإسلاميين في الوطن العربي بعد أن كانت رميما فالإسلام السياسي وصل سن اليأس!