تشير قائمة جديدة لأسرع 500 كمبيوتر خارق في العالم إلى أن الصين ربما آخذة في التسارع متجاوزة الولاياتالمتحدة في سباق التفوق التكنولوجي. تمتلك الصين أعلى مرتبتين الآن، ووضعت ما مجموعه 167 جهازا على القائمة. أما الولاياتالمتحدة فلها فقط 165 جهازا مدرجا في القائمة، وحيث ان أسرع جهاز لديها يقع في المرتبة الثالثة لكن على مسافة بعيدة من الثانية. وهذا يقود بعض المعلقين الأمريكيين لإبداء قلقهم وأسفهم. حتى أن مجلة Wired وصل بها الحد لأن تعلن عن أن الصين تفوقت بسهولة على الولاياتالمتحدة في سباق الحواسيب العملاقة. لكن بقدر ما يعتبر إنجاز الصين إنجازا مثيرا للإعجاب، ليس هنالك أي سبب يدعو للذعر. حيث ان السباق نحو الهيمنة التكنولوجية لن يتحقق فيه الفوز من خلال قياس من يمكنه بناء أجهزة كمبيوتر أسرع. بدلا من ذلك، ما يهم هو من يستثمر بأسلوب أكثر حكمة في البحوث الأساسية - ذلك النوع من العلوم المنهجية العادية التي لا تتسم بالإثارة والتي ربما تسفر عن نتائج في المستقبل فقط. ليس من الضروري أن يكون الهدف الفوري لمثل هذه البحوث على شكل منتَج. لكن على المدى الطويل، ربما تتحول إلى الكثير من المنتَجات. على سبيل المثال، ساعد العمل الممول من الحكومة في مجال التصوير الزلزالي ثلاثي الأبعاد في إرساء الأساس لثورة التكسير الهيدروليكي في السنوات الأخيرة. ومشروع الجينوم البشري (الخارطة الجينية للإنسان)، الذي انطلق في العام 1990، سيوفر للعلماء المواد الخام اللازمة لعلاج الأمراض لعقود قادمة. وذات مرة فسر الموضوع جورج سموت، الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء، قائلا: «لا يمكن للناس توقع المستقبل بشكل كاف للتنبؤ بما يمكن أن يتمخض عن البحوث الأساسية. إن قمنا فقط بإجراء بحوث تطبيقية، سوف نكون لا نزال نحصل على نتائج أفضل». في هذا الصدد، نجد أن تاريخ الحواسيب الفائقة مفيد. كانت مختبرات بيل تُجري بحوثا أساسية في مجال أشباه الموصلات طوال فترة الأربعينيات. في نهاية المطاف، ما قامت بتطويره تم ترخيصه لشركات أخرى، بما فيها شركة تكساس إنسترومنتس، التي طورت فيما بعد ترانزستورات ودوائر متكاملة وغيرها من المكونات الأخرى. ولم تتمكن مثل هذه التكنولوجيا من التضامن والالتئام على شكل إصدار مبكر من الحاسوب العملاق إلا في أوائل الستينيات. هيمنت الولاياتالمتحدة على الحوسبة الفائقة لمدة عقدين من الزمن، لكنها كانت مجرد مسألة وقت قبل أن تقوم غيرها من الشركات المدعومة في مجال التكنولوجيا القائمة باللحاق بالركب. في العام 1981، بدأت اليابان مبادرة مدعومة من الحكومة لتطوير آلاتها الخاصة بها. وفعلت الصين الشيء نفسه (مع دعم البنك الدولي) في العام 1989. وانضم كل من روسيا والاتحاد الأوروبي وكثير من البلدان الأوروبية للركب أيضا. وسط مثل هذه المنافسة، يغلب على لقب الكمبيوتر الفائق الأسرع في العالم أن يكون لقبا شرفيا عابرا. والحكمة من الاشتراك في السباق كانت دائما أمرا مشكوكا فيه. في العام 2010، قال مستشارو مجلس العلوم والتكنولوجيا للرئيس باراك أوباما إن «التركيز القوي» على زيادة السرعة يؤدي إلى تحويل مسار الموارد اللازمة للتوصل إلى مناهج أكثر ابتكارا في الحوسبة. في معظم حقول العلوم والهندسة، على سبيل المثال، تحسينات الأداء من خوارزميات أكثر تعقيدا وتطورا - القواعد الرياضية المستخدمة لحل المشكلات - تفوقت على الخوارزميات المتعلقة بالمعالِجات الأسرع في السنوات الأخيرة. هذا النوع من الابتكار غالبا ما يكون نتيجة لسنوات من البحوث الصبورة (وغير المربحة) - وهو درس ينبغي على أمريكا ألا تنساه أبدا. على الرغم من أن الولاياتالمتحدة لا تزال تقود العالم في مجال تمويل البحوث والتنمية، إلا أنه كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي تتخلف جهودها الآن عن جهود كل من كوريا الجنوبيةواليابان وتايوان. فقد تراجع الجزء المخصص من الميزانية الفيدرالية للبحوث والتنمية منذ عام 1965. وبالمثل تراجعت أيضا البحوث الأساسية في الشركات، ما يسبب الخسارة لذلك النوع الموجه للمنتَجات والذي يطلبه حملة الأسهم والسوق العالمية. في الوقت نفسه، تتصاعد وتيرة المنافسة على البحوث الأساسية. فقد ركزت برامج البحوث الصينية تاريخيا على تحقيق أهداف محددة بوضوح، الأمر الذي يعد أحد الأسباب في أن سرعة الحاسوب العملاق كانت معيارا جذابا هكذا: في العام 2012، ذهب ما نسبته 84 بالمائة من البحوث والتنمية في الصين إلى مجال تسويق التكنولوجيات. لكن صناع السياسة بدأوا في تغيير مسارهم. في منتصف يونيو، أعلنت المؤسسة الوطنية للعلوم في الصين عن زيادات كبيرة في التمويل المقدم للبحوث الأساسية، بما في ذلك فيزياء الأشعة الكونية والرياضيات وعلوم الدماغ والأمراض المعدية. وهذا ليس أمرا سيئا. حيث ان تنشيط المنافسة في مجال البحوث الأساسية من شأنه أن يكون أكثر إنتاجية من السباق نحو تعزيز الحواسيب الفائقة. والمجالات مثل البيولوجيا التركيبية، والحوسبة الكمية، والضوئيات، جميعها تستفيد من التنافس الدولي السليم. والمجالات ذات النتيجة العملية الأقل وضوحا ربما تثبت أنها أكثر أهمية حتى من ذلك. والأسرار الحالية مثل المادة المعتمة ربما تصبح يوما ما مجالا مثمرا، تماما مثلما كانت موجات الراديو من الأسرار ولكنها لم تعد كذلك. والمنافع قد لا تتحقق لسنوات أو حتى عقود. لكن إن كان التاريخ هو دليلنا، سيكون رهانا جيدا لأنها ستكون قد استحقت كل هذا الانتظار.