الاحتياجات الأساسية لأي منا هي توفر الماء والغذاء والرعاية الصحية الأولية والمأوى والأمن، فيما احتياجات جودة الحياة تعني القدرة على الاطلاع والمعرفة والتواصل والصحة والبيئة المستدامة (sustainability)، أما الاحتياجات الأعلى فتكمن في توفر الفرص للتعليم والعمل ولتحقيق الفرد ذاته بما يُعظم مساهمته في مجتمعه. ولا ريب أن برنامج التحول الوطني يسعى لتحقيق أهداف تؤدي لرفع كفاءة الانفاق الحكومي، وهو أحد برامج رؤية المملكة 2030. فهل لبرنامج التحول الوطني مَنظور واحد؟ بالقطع لا؛ فقد قضينا الليالي منذ بداية الشهر الفضيل في الاستماع لايجازات وعروض حول برنامج التحول الوطني من منظور الوزراء المعنيين، فعقب الاعلان عن وثيقة البرنامج، عَقَدَ الوزراء المعنيون مؤتمرات صحفية للإجابة عن أسئلة تتناول ما في حقيبة كل وزير من مبادرات، وما يسعى لتحقيقه. وقدر برنامج التحول الوطني، الذي تشارك فيه في عامه الأول 24 جهة حكومية، التكاليف المبدئية للمبادرات التي أعلنت بنحو 268 مليار ريال، سيتم تمويلها من الموازنة العامة للدولة ولا يشمل إجمالي التكلفة مساهمة القطاع الخاص، وستنفذ -بإذن الله- المبادرات التي أعلنت على امتداد خمس سنوات مالية من 2016-2020. وبحسب وثيقة البرنامج، فسيكون الأثر المترتب على هذه المبادرات تحقيق عدد من الأهداف الوطنية مثل: المساهمة في توليد أكثر من 450 ألف وظيفة في القطاعات غير الحكومية بحلول عام 2020م، ويساهم القطاع الخاص بشكل كبير في دعم وتمويل المبادرات، مما يوفر نحو 40 % من الانفاق الحكومي على المبادرات، توطين أكثر من 270 مليار ريال في المحتوى المحلي، ما يعزز الارتقاء بالقيمة المضافة للمحتوى المحلي، والتقليل من الاعتماد على الواردات وخلق فرص العمل. كما أن وثيقة البرنامج بينت أن البرنامج يسعى لتحقيق 178 هدفاً استراتيجياً والتي تجسد تطلعات الرؤية 2030، يرصدها 371 مؤشراً لقياس الإنجاز نحو تحقيق الهدف، عبر 346 مُستهدفاً وهي قيم كمية للأهداف مثل المحتوى المحلي أو البطالة أو تملك السكن، و543 مبادرة بتكلفة 270 مليار ريال.فمثلاً متوسط زمن المعالجة للقضايا التجارية يبلغ 575 يوماً والمستهدف هو 395 يوماً مع نهاية العام 2020، أي ما يوازي المعيار العالمي. ما ارتباط هذا الهدف بالرؤية 2030؟ الرابط أنه يُحَسن مناخ الاستثمار بايجاد بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء وتعزيز ثقتهم باقتصادنا. مبادرة أخرى حول تشغيل مباني وزارة العدل من قبل القطاع الخاص، العدد حالياً «صفر»، العدد المستهدف هو عشرة مبانٍ مع انقضاء العام 2020، ويحقق الرؤية 2030 من خلال التوسع في خصخصة الخدمات الحكومية، ومبادرة ثالثة لتحسين أداء التوثيق العدلي، فحالياً يبلغ عدد الحالات المخدومة من كتابات العدل المتنقلة «صفر»، والمستهدف أن يبلغ 542,554 حالة مع نهاية 2020. ومن الأهداف الاستراتيجية التي على وزارة المالية تحقيقها وفقاً لبرنامج التحول الوطني، رفع الإيرادات غير النفطية من 163.5 مليار ريال في نهاية 2015 إلى 530 مليارا بنهاية 2020، أي بزيادة متوسطها 73.3 مليار ريال سنوياً. وهدف آخر هو خفض قيمة الرواتب والأجور في الميزانية من 480 مليارا حالياً إلى 456 مليارا نهاية 2020، أي بنقص متوسطه أقل من 5 مليارات سنوياً. ومن الأمثلة ذات الصلة بوزارة الاقتصاد والتخطيط، ما زال الهدف الاستراتيجي «تخصيص بعض الخدمات والأصول الحكومية» تُحتَسَب عوائده الحالية، كما أن المستهدف للعام 2020 ما بَرَحَ تحت الدراسة. وما زال المستهدف لقيمة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي تحت الدراسة. أما الهدف الاستراتيجي «رفع كفاءة الدعم الحكومي»، فالمستهدف خفض الدعم بنحو 200 مليار ريال مع نهاية 2020، عبر مراجعة الأسعار كل ستة أشهر لتتساوى مع أسعار السوق، وكما هو معروف فقد بدأ التطبيق منذ بداية العام الجاري (2016) وفيما يخص الهدف الاستراتيجي «نمو القطاع الخاص» فمازالت تحت الدراسة النسبة المستهدفة لمساهمته بحلول العام 2020، وكذلك قيمة الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الخاص عند انقضاء العام 2020 مازالت تحت الدراسة.أما وزارة الصحة فتسعى، ضمن أمور أخرى، لرفع مساهمة القطاع الخاص في الانفاق على الرعاية الصحية من 25 بالمائة حالياً إلى 35 بالمائة مع نهاية العام 2020. في حين تسعى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات لرفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من 1.12 بالمائة حالياً لمضاعفتها إلى 2.24 بالمائة مع انقضاء العام 2020. فيما تسعى وزارة الخدمة المدنية لخفض الأجور والمزايا والتعويضات بنحو 20 بالمائة مما هي عليه الآن وكذلك خفض عدد العاملين في الخدمة المدنية بنفس القدر مع نهاية العام 2020، فيما تسعى وزارة المياه والزراعة -ضمن أهداف أخرى- لخفض نسبة الدعم على تعرفة المياه من 30 بالمائة حالياً إلى «صفر» بنهاية العام 2020. عُرِضَ على الملأ برنامج التحول الوطني من منظور الوزراء المعنيين، وكان ذلك مفيداً وقَيّماً بالنسبة لي كمواطن. كان ذاكَ الشق الأول، أما الشق الثاني المتمم للصورة فهو أن يُعرض برنامج التحول الوطني من منظور استهدافه لتحقيق احتياجات المواطنين: الأساسية، وجودة الحياة، وتوفير الفرص، فذلك هو المنظور ذو الصلة المباشرة واللصيقة بهم. ولن يتسع المجال هنا لإنصاف العدد الكبير من المبادرات، ولا لتناول الأهداف الاستراتيجية، لكنه قد يكفي لطرح سؤال: ما ترجمة الأهداف الاستراتيجية من منظور المواطن؟ وهل ستُحدث تغييراً جوهرياً في جودة حياته؟ وهل ستغير ما كان معتاداً على توافره من خدمات أساسية؟ بمعنى: هل سيلتحق أبناؤه وبناته بالمدارس والجامعات مجاناً، كما كان الوضع منذ تأسيس التعليم النظامي في المملكة؟ وهل سيحصل على علاج مجاني -هو ومن يعول- في منظومة الرعاية الصحية الوطنية؟ بإيجاز، لعلنا بحاجة لأن يرسم المسئولون لنا «المحصلة المستهدفة» من منظور المواطن، أي: كيف يُتَصَورّ أن يصبح الحال في 31 ديسمبر 2020، فيما يتصل بالخدمات الاجتماعية- الاقتصادية الأساسية؟ وفي الأسواق مثل العمل والسلع والخدمات؟ وفيما يتصل بنمو نصيبه من الناتج المحلي الإجمالي؟ وكيف ستُنفذ «شبكة الأمان الاجتماعي» لرقيقي الحال من المواطنين؟ وما هي مؤشرات تلك الشبكة ومستهدفاتها؟