لم يعد الإرهاب والعنف اليوم مقصورا على منطقة الشرق الأوسط كما في السنوات العشر الماضية لقد طالت أذرعه العالم كله، ولا يسع المهتم إلا أن يبحث حثيثا ليصل للشفرات الحاملة والراعية له من أسباب سياسية وأخرى سيكولوجية، وهوما يحفزنا للبحث أكثر في كينونة النفس الإنسانية التي تولد على الفطرة ولكن أسبابا متعددة تحملها على الجنوح والعدوانية القاتلة. نحتار كثيرا عندما نحاول معرفة من يقف خلف هذه التنظيمات، وقد نجد بعض الأجوبة عندما نحدد الكيانات التي لم تتعرض لفوضى العمل الإرهابي مثل باقي دول العالم، وإذا استثنيت الدوافع السياسية والأيدي الراعية للعمل الإرهابي من النقاش، فقد يهم القارئ ما أجمع عليه الباحثون في علم النفس على أن الدافع الفردي للإرهاب ينبع أساسا من الشعور بالإحباط الذي تحدثه ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية، وأنه بالتالي استجابة لمثل هذا الواقع، فالإرهاب ناتج لكل عوامل الظلم، ولطبيعة الأنظمة، والعلاقات الدولية. ويعرف فرويد الإرهاب بأنه: نسق الفعاليات والخبرات السلبية العنيفة التي يخضع لها ويعانيها من يقع عليهم عدوان، كالعقوبات الجسدية والسخرية والاستهزاء والتهكم وأحكام التبخيس وغيرها من الاحباطات النفسية التي تشكل المناخ العام لحالة من الخوف والتوتر والقلق التي يعانيها ضحايا العدوان، والتي تستمر عبر الزمن مكونة نوعا من العطالة النفسية والفكرية وحالة من الاستلاب وعدم القدرة على التكيف والمبادرة. ومن خلال الاجماع العلمي وتعريف مفهوم الإرهاب عند فرويد؛ يمكننا أن نتلمس العامل المشترك بين الشخصيات الإرهابية، والفئة التي تحرص على تصيدها هذه الجماعات، وقد كنت كثيرة التساؤل عن مواقع الاختبارات النفسية التي تنتشر في الشبكة الرقمية ويحرص الناس من باب التسلية على تبادلها بسرعة، وهل يمكن أن تكون جهات تقيس مدى جاهزية الهدف للانضمام للجماعات المتطرفة؟ خاصة وأن التجنيد صار عملية تتم عن طريق الانترنت بكل يسر. ان عدد الذين تعرضوا لنفس هذه الأوضاع النفسية لم يزيد او ينقص عبر التاريخ بكل تأكيد، لكن الاختلاف هو في الأجهزة الاستخباراتية التي تعمل وفق منهجية متطورة وجديدة وتستفيد من الحلقات الأضعف لتفكيك ما ترغب في تفكيكه بشكل سريع وبأقل الخسائر، ومن الصعب على الدول إيجاد حلول سريعة لمعالجة تلك النفسيات الميالة بشدة للعنف والانتقام أو التحكم بها، ولكن ضبط وصول الجهة المديرة والمستفيدة منها أمر ممكن، وقد كنا منذ زمن قريب نجد أن فكرة حجب بعض المواقع وضبط التطبيقات الالكترونية أمرا غير مبرر في هذا الزمن، ولكن ما نمر به أدعى لفلترة العديد منها إلى وقت لاحق. نحن بلا شك أمام مجموعة كبيرة من العوامل الدافعة للإرهاب، نفسية وتربوية وتاريخية وسياسية، وإن نحن أحسنا التحكم في بعضها فسننجز تقدما أسرع بكل تأكيد، فالعمل على تربية الأفراد بما يعكس عليهم النفع ويمكن من تفريغ الضغوط النفسية بزيادة استثمار مواهبهم وتوسيع مجالات أنشطتهم الإنسانية والاجتماعية كما ينبغي، وعزل المادة التاريخية التي حملت تأويلات متطرفة أو غير متسقة مع واقع العصر، سيقلل من دوافع الأنفس الأمارة بالسوء للتهافت على الموت والانتحار وسلامة أبناء الوطن الغالي.