لم يعد من المقبول الحديث عن تعريف التطرف وأشكاله أو عن أنماطه، أو عن سبل التجنيد التي تستخدمها الجماعات المتطرفة في سبيل إغواء شبابنا في التطرف والإقبال على الموت وقتل وترويع الناس، هنا في بلادنا العربية أو حتى في الغرب. في الوقت الذي تتنوع فيه غزوات المتطرفين وتتعدد أشكالا وتكتيكا. للأسف بالرغم من كل النصوص التي تحرم القتل وبالرغم من قدسية الأمكنة ورمزيتها، كان متوقعاً أن تلجأ الجماعات الارهابية للنيل من أمن المملكة العربية السعودية، وأن تهاجم أو تحاول الخلايا المتطرفة اختراق منظومة الأمن في المرافق الدينية وأبرزها الحرمان الشريفان، بعدما اعتادت ضرب المساجد والمصليات في عدة مناطق في السعودية والبحرين والكويتوالأردن وغيرها، وهي بذلك تكشف عن ردة فعلها الشرسة كلما ضيقت الجهود الأمنية الوطنية في بلداننا الحصار عليها والمتابعة والمداهمات الأمنية التي تفشل مخططاتها. بموازاة العمليات الإرهابية التي ضربت مسجد القطيف والحرم النبوي ومحاولة جدة، اعلنت الكويت عن احباط خلايا ارهابية كانت تخطط لضرب الأمن الوطني وترويع الناس، وكذلك الحال في الأردن فقد داهمت قوات المخابرات الأردنية وكرا لمجموعات سورية تنتمي لداعش في منطقة ام البساتين غرب العاصمة عمان، وتجري كل يوم اعمال مداهمات للوقاية من الارهاب، ويجري خلالها الكشف عن خيوط متصلة بداعش وغيرها من سلالة الدم والقتل والتخلف. للأسف الارهاب باتت شوكته قوية، ونحن أكثر حاجة اليوم إلى الحديث بصراحة عن مصادر التطرف وعن اسبابه وأن نتجاوز التشخيص السطحي الذي اعتدنا عليه، ذلك أن جذور الفكر المتطرف ثقافية ونتيجة لمسار طويل من هيمنة الفكر المتشدد على مصادر التلقي والثقافة والتعلم التي تلقاها شبابنا، ورافق ذلك رضا رسمي واغفال لنتائج السماح للجماعات الإسلامية بالعمل في عدة وجوه منها الخيري والدعوي والخدمي وعلى رأس هذه الجماعات الإخوان المسلمين والتيارات السلفية المتشددة التي لا تؤمن بفكرة الدولة الوطنية وتنادي بدولة الإسلام والخلافة وكل صلاة جمعة يدعو الإمام لذلك قائلا: اللهم أقم دولة الإسلام؟ وأي دولة ينادى بها؟ أليس معنى هذا اقرارا برفض دولنا القائمة؟ للأسف جرى الكثير من تكريس مظاهر التشدد في المناهج والجامعات والمدارس ودور الرعاية، وتم السماح لدعاة ورجال دين متشددين يستندون لأفكار أبي الأعلى المودودي وسيد قطب في تعهد تشكيل وعي أبنائنا، وفي المقابل رفضنا الفن والفلسفة والثقافة العلمية والمسرح، وهذه المفردات هي التي شكلت التنوير عند الغرب وحققت تفوقه الراهن الذي يواجه تخلفنا وتشددنا كما نحن نواجهه أيضا. للأسف، أعطينا دعاة ورجال دين -وليس كلهم سواء هنا ولا نعمم- فرصة تشكيل وعي أبنائها، فأرسلوهم للدم والقتل بدلا من إرسالهم للعلم والمعرفة، وللأسف الأمم تتسابق اليوم في معركة الفضاء واكتشاف المزيد فيه، ونحن نقاتل بعضنا البعض في سبيل الصراع على ماضٍ وتاريخ ودولة إسلامية مبتغاة وليس لها أي شرط قيام. صحيح أن التطرف قديم وليس حصرا بالإسلام، ويعود للعام السادس للميلاد عندما قامت طائفة الغيورين اليهودية وطالبت بطرد الرومان لاقامة دولة يهودية ثيوقراطية، كما أن الغرب شهد مع النزعة اللوثرية مواجهات متطرفة لحركة الإصلاح الديني التي نادى بها لوثر لكف الاضطهاد الكنسي عن حياة الناس، إلا أن الغرب انتهى إلى تحيّد الكنيسة والدين عن الحكم والتقدم وتجاوزنا آلاف السنوات، لكن قيم الدين وفلسفة الأخلاف انعكست على العمل والانتاج والمجتمع فانتجت تلك القيم الجودة والتقنية والإخلاص في العمل والصدق. أما نحن في الشرق، فقد بدأ التطرف في الإسلام مع ظهور حركة الخوارج مبكرا في القرن الهجري الأول وخلاله قتل ثلاثة خلفاء وقامت معارك وسالت الدماء كثيرا، وظل القتل موجودا في الثقافة التي طوعت النصوص لخدمة مآرب الجماعات المتطرفة، حتى جاء العصر الحديث مع قيام الجماعات الدينية وعلى رأسها الإخوان المسلمون على يد حسن البنا ثم تطورها نحو العنف على يد سيد قطب وهي التي طالبت بحل إسلامي يرد المجتمعات الإسلامية عن جاهليتها المعاصرة إلى الحق والصواب الإسلامي، في اظهار لمدى تأثرها بأفكار أبي الأعلى المودودي، وفي الخمسينيات تحقق لها التمكين والانتشار. وطالبت الجماعة الشباب المسلم بترك الاحزاب الوضعية الكافرة والالتحاق بركب الإيمان وحزب الله المؤمن. نعم طالب سيد قطب باعلاء قاعدة الإلوهية الواحدة والتي سميت بالحاكمية الإلهية، وطالب أيضا بتوكيل الشباب بمهمات جهادية، قائلا في كتابه «معالم الطريق»: «إن الجهاد عن طريق طليعة مؤمنة وجيل قرآني هو الحل لتخليص المجتمع من حكم الطاغوت..» وهذا المعنى هو الذي ادخل لعقول الشباب الذين يفجرون انفسهم اليوم، فهم يشبعون افكارا تقول إن رجل الأمن يمثل الطاغوت وإن كل شيء يمثل الدولة القائمة هو كفر يجب هدم بنيانه. وهذا النهج يحاكي نهج المودودي الذي كفر مجتمع الهند مع فارق المجتمعين، فسيد قطب واجه المشروع القومي العربي ومجتمعه المسلم بتكفيره، على عكس المودودي الذي واجه مجتمعا غير مسلم، كان ينبغي له أيضا عدم تكفيره. إن الطليعة المؤمنة التي تقتل وتضرب بيوت الله وتفجرها وتحيلها إلى الخراب وتنشر الرعب بين الناس هي التي طالب بها سيد قطب، وهي المسؤولة عن مناخ التطرف الراهن والذي نما كثيرا في السنوات الأخيرة بفعل عوامل أخرى على رأسها الفشل في التنمية والفقر والبطالة والتدخل الخارجي والفوضى الخلاقة التي جاءت بها الولاياتالمتحدة للمنطقة مطلع الألفية الثالثة. كل ذلك شكل وصفة الموت والقتل والتطرف، ولا سبيل لترياق المواجهة إلا بالمزيد من العمل الامني اليقظ والمحترف، وتكريس المنعة واعلاء سلطة العقل والفكر النير وتعديل المناهج التربوية واخفاء اثر النص المتشدد من المناهج واعادة الفلسفة والثقافة العلمية لمتطلبات التعليم في الجامعات، ومراقبة الفضائيات المتشددة وعدم اعطائها حقوق بث. سيد قطب واجه المشروع القومي العربي ومجتمعه المسلم بتكفيره بدأ التطرف في الإسلام مع ظهور حركة الخوارج مبكرا في القرن الأول الهجري