لم أستغرب سعي إيران الحثيث لنقل تجربة الحرس الثوري إلى العراق، ليصبح الحشد الشعبي دولة داخل الدولة، خاصة بعد سيطرة قاسم سليماني على قوات الشرطة الاتحادية، ليصبح سليماني الحاكم الفعلي للعراق، بعدما أفرغ المؤسسات الأمنية وعين من يرغب في إدارتها التنفيذية، وبعد أن أصبحت ولاية الفقيه تعني: كيف تصبح إيرانيا وتقدم الخدمة لإيران على حساب العراق، وكيف يكون إيمانك بالفقيه أولا على حساب وطنك وشعبك، وكيف صنعت إيران رجالا ينطقون ويضربون باسمها، وإن نزعت عنهم الغطاء لم تسعهم الأرض خوفا ورعبا. هؤلاء الطواغيت يتنافسون في فن التدمير والإفناء والقتل والتعذيب، كي يرضى عنهم سليماني أولا، فهم منحوا سلطة ومكانا ودورا وغطاء لم يحلموا بها وهم يعرفون أن ضعف إيران في العراق يعني نهايتهم وسحلهم في شوارع بغداد، ولهذا ما إن ترتفع أصوات الاحتجاج، والتظاهرات، حتى تجدهم هرولوا ناحية إيران طلبا للعون والمدد، والحماية، ليس خوفا من كل العراقيين وإنما من الشيعة أولا، ولهذا فإن عمليات التفجير التي راح ضحيتها مؤخرا 290 شخصا، كانت تهدف لإدارة المجتمع وفقا لنظرية إدامة الرعب والخوف، لكن العراقيين لم يصدقوا حكاية داعش، وحكاية الإرهاب، وباتوا على يقين أن الحرس الثوري يقف خلفها جميعا. رواتب الحشد الشعبي أصبحت مشكلة لحكومة حيدر العبادي، فهي مؤسسة تتبع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وليس للعبادي سلطان عليها، وعددها المسجل يتجاوز 150 ألفا، ويتحصل المسؤولون في الحشد على رواتب خيالية تتجاوز 120 ألف دولار شهريا، ناهيك عن سيطرتها على مؤسسات ووزارات وتعاقدات ومقاولات داخلية بشكل استثنائي، فقد تم تخصيص تريليون و187 مليار دينار للحشد الشعبي في الموازنة المالية العراقية لعام 2015، وهي أكبر ب 6 مرات من ميزانية قوات البيشمرجه الكردية. في حكومة صدام كانت العقوبة تطال المسؤول لو تلقى هدية لا تتجاوز مائة دولار، وإن مسؤولين أعدموا بسبب سرقة لا تتجاوز 5 آلاف دينار عراقي، وإن حجم الفساد المالي والإداري كان طفيفا، وإنه وعلى الرغم من دكتاتوريته، كان يحكم دولة ذات سيادة، من زاخو حتى البصرة، وكانت إيران تخافه وتضع له مليون حساب، وكان الأمن في العراق معروفا، وخاصة بعد أن طبق الحدود في السنوات الأخيرة، وإن الوزراء الذين يتقاعسون عن أداء أعمالهم، أو المقاولين الذين يغشون في أعمال التنفيذ كانوا يعدمون في أماكن هذه المشاريع، وإن الجواسيس أمثال بازوفت الإيراني كانوا يعدمون ويرمون أمام سفارات دولهم دون رهبة أو خوف. في محطات عديدة لمراجع ورجال دين أكدوا أن لا تنمية ولا جامعات ولا تطوير أو تحديث بعد حكم صدام، وأنه وعلى الرغم من دكتاتوريته، فقد كانت هناك دولة اسمها العراق، وكانت الأسعار في ظل الحصار الاقتصادي موحدة، وأن لا مجال للتلاعب بها من قبل التجار، الذين أعدم بعض منهم لتلاعبهم بالأسعار في حينه، وأن جامعات العراق كانت فريدة وكانت صروحاً للمعرفة والعلوم، وليست مثل جامعات اليوم، وأن كاظم الجبوري الذي انهال على تمثال صدام بالصفع بالحذاء يترحم ويتندم على ما قام به من فعل بسبب نتائج العملية السياسية الفاشلة، وبسبب الفساد المالي والإداري، وبسبب فقدان الأمن والاستقرار، وتجزئة العراق. كان صدام مستبدا، ولكن كان العراق موحدا وبلدا للخيرات وبلدا له مكانته الإقليمية والدولية، وليس بلدا تصول فيه إيران وتجول، ويتحكم فيه قاسم سليماني بكل كبيرة وصغيرة، فلم تنتشر المخدرات زمان صدام لأن القانون كان قاسيا بحقهم، سواء البائع أو المروج والمتعاطي، وفي حملته الإيمانية، تراجعت بيوت الدعارة لصالح بيوت الدين، وتم الحد من استهلاك الخمور، ولكن ماذا عن زمن المالكي والعبادي بعد 13 عاما من عملية سياسية فاشلة تتحكم بها إيران. إن النفخ في كير الطائفية وعوامل تسعيرها، أصبح ليس له صدى في المجتمع العراقي، وإن النافخين فيه، هم المستفيدون منها، ماليا وسياسيا، وإنهم على إدراك أن أهلنا في جنوبالعراق، ليسوا طائفيين بالجينات، وإن محاولات إيران لاستثارتهم، لم تعد تجدي نفعا، فلجأت إلى كواتم الصوت بالاغتيال للرمزيات الدينية والفكرية والثقافية والحزبية، ولجأت إلى شراء الذمم والمناصب، وقد كان لهذه العملية آثار سلبية حيث عين في مناصب حيوية كوتات للأحزاب الدينية دون مراعاة للخبرة والمهنية والاختصاص، فكانت النتائج صراع مصالح شخصية، كان ضحيتها المواطن العراقي، الذي بات رافضا لكل حملات التعبئة التي توظف الإرهاب لخدمة الأغراض السياسية، وبدأت الاتهامات موجهة للعملية السياسية ورموزها ولإيران أولا. إن طواغيت بغداد وسراقها ومفسديها على لون وسلوك واحد وإن اختلفوا، لكنهم اليوم، يسرقون ويقتلون الشيعي قبل السني، ويعتبرون ذلك تقربا لإيران ولقاسم سليماني، يبددون ثروات العراق ويحرمون شعبهم منها لأجل المرشد والولي الفقيه، الذي تكشف المعلومات أنه يمتلك أكثر من 100 مليار في حساباته الخاصة. في عرف الطواغيت فإنه لا مكانة ولا معنى ولا قيمة للبشر، فإذا كان لصدام نزواته ومغامراته التي كلفت العراق آلاف البشر، وكان يحكم العراق بالحديد والنار، فإنه في جانب الفساد المالي كان كما يبدو أكثر بياضا من حكومات الخضراء بعد 2003، وإن حجم من قتلهم أو أعدمهم صدام، لا وجه فيه للمقارنة مع العمليات الانتحارية والتصفيات التي تمت خلال 13 عاما، حيث خسر العراق جراء فشل العملية السياسية وتناقضها ما يقارب 1.5 مليون مواطن، ناهيك عن الموتى والمرضى بسبب الفقر والجوع وانعدام الصحة. في ظل غياب أي أمل حقيقي لحل سياسي لإشكالية الحكم في العراق، وفي ظل توظيف إيران للعراق، باعتباره منجما للثروة، وأداة للثورة، فإن مستقبل العراق ماض بقوة نحو مزيد من الصراعات والحروب الدامية والتفتيت، وهو جوهر الاستراتيجية الإيرانية التي تضع العراقيين على اختلافهم وفقا لنظرة مصلحية قومية واحدة، سواء أكانوا من السنة أم من الشيعة، فليس من حل لوأد الإرهاب في العراق، سوى إعادة النظر في العملية السياسية، ونبذ المحاصصة الطائفية، وكف اليد الإيرانية.