يرى القائد السابق للحرس الثوري الإيراني «محسن رفيق دوست»: «بأن العراق ليس أمامه من طريق للخلاص سوى العمل على تحويل فصائل الحشد الشعبي إلى حرس ثوري عراقي، والأمر ذاته بالنسبة للرئيس السوري «بشار الأسد»، فمتى اعتمد على فكرة تحويل أنصاره إلى حرس ثوري، سيكون مسيطراً بشكل فعّال حتى على الجيش النظامي. ناهيك عن حزب الله اللبناني الذي يملك بنية عسكرية وسياسية تشبه بنية الحرس الثوري. في التاسع من شهر حزيران عقد اجتماع ثلاثي في العاصمة الإيرانيةطهران، ضمّ وزراء دفاع كل من روسياوإيرانوسوريا. وذلك بغية وضع إستراتيجية جديدة لمواجهة مخاطر المرحلة المقبلة، أو لمواجهة الحرب ضد الإرهاب حسب تعبير الناطق الرسمي الإيراني. لكن المعلومات التي روّجت قبل انعقاد اللقاء الثلاثي، كشفت عن شكوك مبطّنة بين وزيري الدفاع الروسي «سيرغي شويغو» والإيراني «حسين دهقان». وذلك بسبب التفاهم المبدئي حول سوريا بالذات بين روسيا وأمريكا. وهذا يعني اهمال كافة الملاحظات والمخاوف الإيرانية. إزاء ما يجري في مناطق شمال شرق سوريا، وبخاصة عبر هذا الدعم الأمريكي المباشر لقوات سوريا الديموقراطية خاصة، والقوات الكردية بشكل عام. علماً بأن معركة (منبج) التي دخلتها بريطانيا أيضاً، ليست معزولة حسب وجهة نظر إيران عن مجمل الصراع بين نظام الأسد وكافة فصائل المعارضة لأنها ليست معركة خاصة جداً كما ترى ذلك بريطانيا. هذا اللقاء الذي جعل من وزير الدفاع السوري «فهد الفريج» مجرّد «شاهد» محايد عليه أن يقبل بنتائج الاتفاق الإيراني - الروسي دون أن يغيّر من تفاصيله. فهو لم يحمل أصلاً أي مشروع إستراتيجي بل نسخة من خطاب سيده الأسد، وادعاء بمحاربة الإرهاب. إذن الأمور باتت تعني عملياً إلغاء غرفة العمليات المشتركة في الشام والتي كان يتم فيها التنسيق التام بين روسياوسورياوإيران. بل أن الجانب الايراني بات يرى بداية تنسيق روسي - أمريكي على حساب الدور الايراني الذي بات محصوراً باستراتيجية التمسّك ببشار الأسد، على حدّ تعبير المعلّق الايراني «هادي محمدي» وهو المقرب جداً من الحرس الثوري الايراني. فالروس يرغبون بتحجيم الدور الايراني، مقايضين هذا الموقف بموقف أمريكي إزاء تركيا. إن إيران المرتابة بمساحة الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديموقراطية التي يرتاب الحكم السوري أيضاً بأهدافها، وبخاصة بعد أن تحرّكت قوة منها نحو الرقة قاطعة الطريق على الإيرانيين الذين تموضعوا بمناطق غير حاسمة. معناه أن حيادية الموقف الروسي ليست بريئة، وإذا لم يتم احتواؤها بأسرع وقت ممكن، فإن الروس سوف يصبحون عالّة على طموحات النظام وحليفته إيران، بل انهم قد يمارسون دوراً سلبياً في كافة المراحل المقبلة. وبخاصة خلال مراحل المفاوضات التي يصر الروس على المضي بها. اذاً ما هو المطلوب؟ كما ترى ذلك طهران؟ إن دعوة إيرانية لرسم استراتيجية جديدة يمكن أن تشمل العراقوسوريا أيضاً. وذلك انطلاقاً من التطوّرات القائمة في العراق، أو من النتائج المترتبة على المعارك في منبج ومارع واعزاز وبقية المناطق السورية المحاذية للحدود التركية ضمن الساحة الأكثر حساسية وأثراً في المستقبل. ولكن هل تملك إيران تفاصيل هذه الإستراتيجية؟ يكتشف الدارس للاستراتيجية الإيرانية العامة أن هذه الاستراتيجية تقوم على حالة من «البيوريتانية» التطهيرية. التي تربط كافة الأهداف المطلوب تحقيقها بمسألة العناية الإلهية. ولكن حتى مفهوم العناية الإلهية اخضع لتفسير ضيق انحصر بتحقق التراث المذهبي حتى لو كان قائماً على نظرية تصدير الثورة. ولقد انشأ هذا الفهم المحدد للاستراتيجية الإيرانية «قومية دينية» تمتاز بالمحدودية والعدوانية. لأنه ربط ما بين الغرض القومي وتنفيذ ارادة الولي الفقيه. أما الأمة في نظرهم فهي الكم المسيّر، والمسؤول في آن واحد. إن مفكراً ايرانياً مثل منتظري يسخر من هذه الاستراتيجية والتي هي اختراع لأخلاق اجتماعية وسياسية جديدة وغريبة حتى عن الإسلام. لأن ما تقوم به الحكومة حسب تفسيرها هو الصواب. وما يقوم به الناس هو الخطأ دائماً!! ولأن غايات الافراد نادراً ما ترتبط بالغرض الإلهي. فهي مجرّد اجتهادات شخصية، يجب أن تخضع للمحاسبة دائماً. إذن الاستراتيجية الإيرانية يستحيل أن تتطابق مع المفهوم الروسي الاستراتيجي، وبخاصة في منطقة المياه الدافئة شرقي المتوسط وسوريا بالذات لأنها استراتيجية (لوجستيكية) الطابع، وبعيدة الأهداف. فروسيا التي تقاتل بسلاحها الجوي دفاعاً عن النظام السوري، تحسب فوائد هذا الموقف على مستوى تواجدها الفعال مقابل الحلف الاطلسي، الذي تمدّد أخيراً فوصل إلى قلب بولندا وبقية المناطق التي كانت بالأمس منظومة اشتراكية سوفياتية تسيطر عليها روسيا. فمقابل الاقحام الاطلسي والامريكي في دول البلطيق حيث المناورات تجري مع عشرين دولة دفعة واحدة تحت عنوان «أناكوندا 16» حيث تجد روسيا نفسها مهددة وتحت وطأة الموقف الدفاعي السلبي سيما وان المناورات افتتحت باستعراض عسكري ضخم في وارسو مع إعلان للتضامن التام بين الاطلسي ودول البلطيق! لكن هذه الاستراتيجية الروسية قابلة للمقاصة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. لذلك فهي اقرب إلى التكتيك الموسع - يسميها الرئيس بوتين بالاستراتيجية المرنة - بحيث اتاحت للروس التفاوض مع إسرائيل عبر نتنياهو على مراعاة الأمن الإسرائيلي. بالمقابل ما هي استراتيجية النظام السوري يا ترى؟ في آخر خطاب لبشار الأسد في مجلس الشعب السوري الجديد، قدم الرئيس السوري سلسلة من الاسقاطات والالغاءات. ربما أبرزها خروجه من فكرة المرحلة الانتقالية التي أقرّت في جنيف عام 2012 وسمّيت بجنيف ثلاثة واعلانه الحرب الشاملة كحلّ وحيد للازمة السورية. بالمقابل ركز الأسد على محاربة «داعش» فهي العذر الوحيد والأوحد لذبح المعارضة السورية كلها. لكن حتى هذه الورقة بدأت تفلت من يد النظام السوري. فوجود الفرنسيين والبريطانيين ودعمهم القوي لجيش سوريا الجديدة أفلت حتى ورقة «داعش» من يد النظام السوري لأن قتال داعش بات مهمة أوروبية مباشرة بالدرجة الأولى. سوريا الأسد لا تملك الآن استراتيجية لمستقبل سلمي في سوريا، بل تملك حلاً «وثنياً» يقوم على فكرة ابادة المعارضة برمّتها. ومن ثم إجراء انتخابات يترشّح الأسد فيها. متناسياً اربعة ملايين مهجر من الوطن واكثر من مليون قتيل وخرابا بات يشمل أكثر من ستين بالمائة من المدن السورية مع تدمير كامل للبنى التحتية وللاقتصاد السوري. هذه هي المفاهيم الأساسية للثلاثي روسياإيرانوسوريا، للمعنى الآني للاستراتيجية والقائمة على الإلغاء التام للآخرين. لكن إيران التي تشتغل الآن على المفهوم الآخر للاستراتيجية المفخّخة والقائمة على فكرة تعميم الأنموذج الايراني في العالم العربي، لا تطرح أبداً سوى ما صرّح به القائد السابق للحرس الثوري الايراني «محسن رفيق دوست». من أن تجربة الحرس الثوري الايراني هي تجربة انقاذية رائدة في كل من العراقوسورياولبنان. وان القبول لهذه الفكرة قائم وموجود بفعل مؤشرات أساسية منها وجود «قاسم سليماني» قائد فيلق القدس على رأس القوى التي تقتحم وتطهر الفلوجة!! ناهيك عن وجود هذا الحشد الهائل من كبار المستشارين العسكريين الايرانيين في سوريا، وهدفهم الاسمى صيانة النظام السوري ودحر الاعداء!! إضافة إلى القوة النارية الهائلة لحزب الله في لبنان. هل تقوم مثل هذه الاستراتيجية الهجومية بين حلف رباعي قوامه إيران، روسيا، سورياوالعراق؟ بل ماذا يجب أن يكون الموقف الرسمي العربي حيالها، سيما وان من أبرز اهداف هذه الاستراتيجية محاربة المحور الخليجي الذي تقوده المملكة العربية السعودية؟ أم أن المرحلة المقبلة سوف تشهد المزيد من الاستقطاب الإقليمي؟ هل هي البداية؟ يذكرنا تاريخ العراق أن البرامكة حين بدأوا سياسة «تفريس» العراق باذلين الذهب والمال... لم يجد الخليفة هارون الرشيد سوى استئصال شأفتهم دفاعاً عن عروبة عراقه. الأمر ذاته يحصل اليوم في العراق. ففي مدينة كربلاء تتزلزل الأرض من تحت أقدام الايرانيين، ويتم تمزيق صور الخميني وخامنئي فيما يهتف الجمهور الشيعي لا للاحتلال الإيراني المبطن والصريح.