قال وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية المهندس خالد الفالح مؤخراً إن أرامكو السعودية قد تستثمر في استيراد الغاز إلى المملكة لكن الأولوية ستكون لإيجاد مصادر جديدة للغاز محليا من خلال الاستكشاف. وأضاف الفالح خلال مؤتمر صحفي للإعلان عن خطة التحول الوطني «نطمح أن ترتفع نسبة الغاز في مزيج الطاقة بالمملكة إلى 70 بالمائة من كافة المصادر سواء محلية أو إذا استطعنا أن نجد مصادر للاستيراد بتكلفة منافسة». يعتبر الغاز الطبيعي مصدرا مثاليا لتوليد الكهرباء في العالم ويتميز عن النفط والفحم بقلة الانبعاثات الكربونية. وتقل الانبعاثات الناتجة عن حرق الغاز مقارنة بتلك الناتجة عن حرق الفحم بحوالي 50% وأقل من تلك الناتجة عن حرق النفط بحوالي 25%. و يستحوذ الغاز الطبيعي على حوالي ربع مصادر الطاقة العالمية. ويباع 10% من هذا الغاز على شكل غاز مسال تنقله السفن بين دول العالم. وبحسب الجمعية العالمية للغاز (IGU) فان الاستثمار في توليد ميغاوات واحد من الكهرباء باستخدام الغاز كوقود يعد الأرخص إذ تصل كلفة الاستثمار لانتاجها حوالي 1000 دولار مقابل حوالى 5500 دولار لانتاجها من المحطات النووية وحوالي 4400 من محطات الفحم الحجري وحوالي 4000 دولار من المحطات الشمسية. ارتفعت مؤخراً الاحتياطيات السعودية من الغاز الطبيعي حتى قاربت على 300 تريليون قدم مكعبة ولكن ارتفع في نفس الوقت الاستهلاك المحلي الذي وصل في العام الماضي الى 11.6 بليون قدم مكعبة باليوم. ويجري العمل على قدم وساق على استكشاف حقول جديدة ولكن نمو الطلب على الطاقة الكهربائية في المملكة كبير خصوصاً في فصل الصيف وبسبب نمو الطلب على المياه المحلاة ومتطلبات القطاعات الصناعية المختلفة. ومن أجل تلبية الطلب الكبير للطاقة يحرق في المملكة في فصل الصيف حوالي 850 ألف برميل نفط خام يومياً بالاضافة الى مئات الآلاف من براميل الديزل وزيت الوقود. ولان معظم احتياطيات الغاز والنفط تقع في المنطقة الشرقية، فكان لابد من نقل الوقود إلى كافة انحاء المملكة وخاصة المنطقة الغربية حيث ارتفاع الطلب على الكهرباء وتكلف عملية النقل هذه الكثير من المال، كما تؤمن المصافي المنتشرة على البحر الأحمر جزءا كبيرا من احتياجات الوقود التي تستهلكها محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه في المنطقة من الديزل وزيت الوقود. يستخدم العالم مصادر مختلفة لتوليد الكهرباء ويبقى الفحم المصدر الأول بحوالي 39% ويأتي الغاز بحوالي 22% والطاقة المتجددة بحوالي 23% والنووية بحوالي 11% ولا يشكل النفط من مصادرتوليد الكهرباء في العالم إلا 5% ومعظمها لدول الخليج العربى. وتجمع المصادر المختلفة على تعاظم دور الغاز المستقبلي في توليد الكهرباء مقابل انخفاض لدور الفحم الملوث للبيئة. وتعتبر الولاياتالمتحدة أكبر منتج وأكبر مستهلك للطاقة بالعالم. ومن المفيد دراسة تغير مصادر توليد الطاقة فيها؛ لانها تملك النفط والغاز والصحاري (الطاقة الشمسية) والقدرة النووية وهي بذلك تشكل حالة نموذجية لدراسة المصادر الأكثر جدوى في توليد الكهرباء. وكما يعرض الشكل 1 فانها خفضت من استخدام الفحم واستغنت تقريباً على النفط ومشتقاته في توليد الكهرباء ولكنها ضاعفت اعتمادها على الغاز منذ 1980م وإلى الآن. الأكيد أن تغير خليط الطاقة لتوليد الكهرباء في امريكا ذو دلالة كبيرة على التوجه العالمي لخفض انبعاثات الكربون. وأما الصين فكانت تعتمد في عام 1980م على الفحم بنسبة (54%) والنفط (26%) ومساقط المياه (20%) لتوليد الكهرباء والآن استغنت بالكامل عن النفط مقابل زيادة نسبة الفحم والطاقة المتجددة والنووية والغاز. وتمر حالياً بمرحلة انتقالية لاستبدال الفحم تدريجياً بالغاز والطاقة النووية. وحتى اليابان استبدلت النفط ومشتقاته بالغاز في توليد الكهرباء كما يعرض شكل 2. وهذا يدل أن لا ثوابت في مجال الطاقة فجميع الدول تغير أولوياتها وسياساتها مع مرور الوقت وتغير أسعار الطاقة العالمية والقوانين البيئية. ويبدو واضحاً من هذه المقارنات أن معظم الدول التي كانت تستخدم النفط في توليد الكهرباء قد استغنت عنه إما بالفحم كالصين وهو خيار اقتصادي وليس بيئيا وإما بالغاز الطبيعي كما الولاياتالمتحدةواليابان وهو خيار اقتصادي وبيئي. وفي جميع الاحوال يمكن القول ان معظم الدول قد اتجهت لعدم استخدام النفط كمصدر لتوليد الكهرباء لانه غير مجدٍ اقتصادياً ولا حتى بيئياً. ولكن وعلى النقيض نلاحظ ان اعتماد المملكة على النفط ومشتقاته في توليد الكهرباء في ارتفاع منذ 1980م حيث كانت نسبة مصادر توليد الكهرباء بالمملكة آنذاك نفط (28%) وغاز (72%). وأصبحت الآن وبحسب هيئة تنظيم الكهرباء (جدول 1) حوالي 60% نفط و40% غاز، وبذلك تعتبر المملكة من اكبر مستخدمي النفط ومشتقاته في توليد الكهرباء في العالم. حتى ولو قارناها مع الدول النفطية مثل الامارات (2%) والكويت (60%) وايران (27%) وروسيا (2%) والنرويج (0%) والمكسيك (19%) وفنزويلا(14%). وتعد الكويت مثالاً حياً لتغير النهج في اختيار الوقود المناسب لتوليد الكهرباء حيث كانت تنتج أكثر من نصف الكهرباء باستخدام الغاز الطبيعي في عام 1980م. وفي عام 2005م اصبح النفط ومشتقاته ينتج حوالي 75% من كهرباء الكويت. وهنا بدأت الكويت بدراسة استيراد الغاز الطبيعي المسال من اجل توفير النفط للتصدير وللحد من انبعاثات الكربون. وانخفضت نسبة استخدام النفط في توليد الكهرباء الآن إلى 60% مقابل ارتفاع نسبة الغاز إلى 40%. ولقد ارتفعت واردات الكويت من الغاز المسال إلى ثلاثة ملايين طن في عام 2015م عبر مرفأ عائم يتم استئجاره لأشهر ذروة الطلب على الطاقة. ويعتبر الشرق الأوسط وشمال افريقيا من أكبر أسواق نمو الطلب على الغاز المسال في عام 2015 ويشجع تراجع أسعار الغاز المسال على دخول مستوردين جدد. وصل الاستهلاك العالمي للغاز المسال في العام الماضي الى حوالي 245 مليون طن مرتفعاً بحوالي 3 ملايين طن عن عام 2014م. وتتجه عيون كثير من الدول إلى هذا المصدر المثالي لتوليد الكهرباء حيث دخل في عام 2015م اربع دول جديدة إلى قائمة مستوردى الغاز المسال وهم مصر والاردن وباكستان وبولندا وفي الخليج فان الاماراتوالكويت من مستوردى الغاز المسال وتجري البحرين مفاوضات جادة بشأن استيراده. وتتجه أسعار الغاز المسال إلى الانخفاض بسبب الكميات والطاقات الانتاجية الكبيرة التي ستدخل الاسواق من امريكا واستراليا وحتى موزمبيق، ولقد انخفضت معدلات اسعار الغاز المسال من 15 دولارا للمليون وحدة في عام 2014م الى 10 دولارات للمليون وحدة في عام 2015م وقد تتراجع هذا العام الى حوالي 6-8 دولارات. لاشك ان الغاز الطبيعي هو سلعة مثل باقي السلع الاخرى تباع وتشترى بحسب الجدوى الاقتصادية والمنافع البيئية، ويبدو ان الوقت قد حان لانشاء او استئجار منصات استيراد الغاز المسال خاصة في فصل الصيف وخصوصا في المنطقة الغربية التي تحرق كميات هائلة من السوائل البترولية لتوليد الكهرباء. ان استيراد الغاز المسال لانتاج الطاقة الكهربائية فقط هو قرار استراتيجي ويتماشى مع القوانين العالمية المنبثقة عن اعلان باريس بشأن المناخ، وهذا سيساعد المملكة على خفض التلوث البيئي وعلى توفير حوالي مليون برميل نفط باليوم من شأنها رفع صادرات المملكة النفطية أو رفع الطاقة الانتاجية الفائضة.