هناك جهل لكثيرِ من المشكلات.. وهناك مشكلات في كثيرِ من الجهل.. حيث إن امتلاء الوعي هو طاقة الإدراك.. واتقاد الرشد هو غاية العقل.. وقيمة النفس من هدف العبادة.. من يؤمن بشعائر الله يعظّمّها.. ومن يؤمن بالفضيلة يدرك أن الوقت هو الحياة وان الحياة هي الطاعة.. في رمضان تأتي الحكايا.. وتنتشر القصص.. وتبثُ الروايات.. حين نفهم المعنى الأول لهذا الموسم الفضيل فإننا يجب أن ننغمس فيه بكل شوق.. رمضان أمامنا هنا.. وأفعالنا.. أقوالنا تقودنا إلى هناك.. «ترقب».. «تصبر».. «تلمس».. «تفكر».. «تدبر».. كلها صيغ فضلى تجعلنا نعيد تجميع بقايانا الطائشة في وعاء الإذعان.. جاء رمضان فقصَ علي بعض اقصوصاته.. ليتركنا أمام رشدنا وخلف عزيمتنا على رؤية هذا الحدث الإيماني بكل بصيرة.. فحدثني وقال: أتى للمسجد بلباس لا يرتديه إلا في مطبخ بيته.. وحين أراد الذهاب إلى المقهى المعلوم.. «كشخ» ولبس زينته.. غرد بتغريدة أشبه بالنعيب حين بثت حلقة من حلقات مسلسله الفارغ.. وهو يفاخر مبسوطا بتفاعل مزعوم مع ما قدمه في تلك الحلقة وسأل: ماذا تقولون في تلك الحلقة؟ ردوا بسرعة: «الله يهديك ويردك للحق».. ارتبك ولم يعد يسأل شيئا.. في الصباح أحنى ظهره بسرعة ليلتقط قلم رئيسه الذي وقع على الأرض.. في المساء سحب الكرسي ليجلس عليه للصلاة. طَلبته والدته بأن يذهب ببعض زكاتها لفقيرة تعرفها.. عذرا أمي.. سأذهب إلى السوق فزوجتي تريد تبديل حذاء اشترته للعيد.. قال له: ما عندك زكاة مال؟.. قال: عندي.. رد: أعرف لك مستحقا مضطرا.. قال: الآن محتاجها وسأدفعها بعد أن أعود من دبي في العيد.. مضت العشر الأولى من رمضان.. خلالها قرأ ثلاث روايات وشرع في الرابعة.. ولم يفتح صفحة في مصحف.. صنعت أطباقها اللذيذة من الظهر.. فجاء هو وقت العصر.. وقال: أنا معزوم.. صمتت.. وبحكمة قالت: صنعت الكثير فخذ معك لكم.. أكله الهم.. فتشرّب ذكر الله.. فاطمأن وارتاح.. طالب الجماعة بالمساهمة في تفطير بعض المحتاجين.. جاء الكل بسخاء.. ومدّت مائدة الطعام وازدانت بأنواع من الأطعمة.. أفطروا.. بلا إحساس أهملهم المسؤول فتركوا بقايا إفطارهم ليرمى في النفايات.. تمتم ببعض كلمات سأله: صاحبه: «وشفيك» نغض رأسه فقال: بعض البرامج في داخلك يقول: في موازين أعمالهم الطيبة بإذن الله.. وبعضها يقول: الله يعينهم على حسابهم يوم القيامة.. قلت: «ابلع العافية». وضع المرأة وطفلة معها عند أحد مدخلي المسجد.. فأرسلت المرأةُ الطفلةَ إلى المدخل الآخر.. وحين فرغ الناس من الصلاة بدأت المرأة بأناشيد التسول وعبارات التطلب.. خرج الجميع.. لملمت حصيلتها.. فأتى «بكشّته» وشكله الغريب يقود سيارته القديمة جدا بعد أن استغرق وقت الصلاة وتصدق الناس في الدوران على المسجد ولم يصل معهم.. أطلق منبهه المزعج مرارا.. فأسرعت المرأة إليه.. وقبل أن تقفل بابها أخذ منها الكيس وأدخل رأسه قبل يده.. نهرها.. فغادر بإزعاج مثرثرا.. اقترب من عمر الستين وهو يبتعد بعقله إلى سن العشرين.. تحدث عن إجازة العيد أين سيقضيها مع «شلته».. وتحدث عن تفاصيل «كم» مسلسل شاهده.. وفتح حوارات مشتتة.. ردد: تعجبني تلك الممثلة فهي تمثّل كل دور لها بطريقة ساحرة.. صاحبه يكيده: ما شاء الله عليك.. «وين تصلي التراويح أجل؟».. رد عليه: «الدين يسر يا رجل.. إلا وش الأخبار» رمضان ضيف عجول.. فأكرموه..