شهدت مصر مؤخراً ارتفاعاً ملحوظاً في عدد حالات ومحاولات الانتحار بين الاطفال بتسجيل 48 حالة انتحار بين الاطفال في العام 2015، بحسب منظمات حقوقية غير حكومية، وهو ما اثار قلق عدد من المؤسسات المهتمة بشأن الاطفال في مصر خاصة مع تواصل تسجيل حالات جديدة بشكل شبه اسبوعي. ويعد انتحار 48 طفلا في العام 2015 بحسب المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة غير الحكومية نهاية عام 2015 ارتفاعا صارخا من انتحار 6 اطفال فقط في العام 2010 و3 اطفال في العام 2001.. ويقدر عدد الاطفال، كل الصغار من هم اقل من 18 سنة، في مصر بنحو 31.4 مليون طفل، طبقاً لتقرير المركزي للتعبئة والاحصاء الصادر في 2014 اي ما يوازي 36.1% من اجمالي عدد السكان في مصر. وترجع المحامية بمؤسسة النهوض بأوضاع الطفولة غير الحكومية داليا صلاح ل «اليوم» اسباب انتحار الاطفال لأسباب «اجتماعية واقتصادية ونفسية». وقالت صلاح ان اسباب الانتحار «منها العنف الواقع على الطفل من الاسرة او المدرسة او اي كان مصدره والضغط النفسي على الأطفال الناتج عن عمالة الأطفال وعدم قدرة الأسرة على توفير احتياجاتهم المادية فضلا عن تعرضهم إلى الاستغلال الجنسي». وطبقاً للتقرير الذي اصدرته المؤسسة، فإن نسبة 54% من الأطفال المنتحرين من الذكور مقابل 46% من الإناث، وأن الفئات العمرية الأكثر انتحارا من 16 إلى 18 سنة. وانتحر 17 طفلا بسبب الظروف الاقتصادية والعائلية، و16 طفلا بسبب الظروف النفسية، و9 في ظروف غامضة وطفلان بسبب تقليد افلام الرسوم المتحركة، وحالة واحدة بسبب المرض. وقالت صلاح ان آليات عمل المؤسسة لإصدار التقرير اعتمدت بشكل كلي على محاضر الشرطة التي يتم تحريرها او يتم نشرها عبر وسائل الاعلام والتي تعتبر الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها الوصول الى حالات الانتحار بدقة. ويعد الانتحار امرا مشينا ويوصم بالعار اجتماعيا للأسر في مصر. العنف الاسري في المقدمة ولفتت المحامية الحقوقية داليا صلاح الى ان ضمن العوامل التي تم رصدها كمسببات للانتحار، الضغط النفسي على الأطفال الناتج عن عمالة الأطفال وعدم قدرة الأسرة على توفير احتياجاتهم المادية فضلا عن تعرضهم إلى الاستغلال الجنسي. يؤكد التقرير الصادر عن المؤسسة، ان 17 حالة انتحار بين الاطفال نتيجة اسباب اقتصادية واسرية. ويقول استاذ علم النفس بجامعة عين شمس الدكتور حسين مجدي انه تم رصد «اكثر من حالة انتحار جاء بسبب تعرض الطفل للعنف الاسري، منهم من تعرض باستمرار للضرب بالكرباج، أو اللسع باستخدام النار أو السجائر». ويعدد مجدي اسباب انتحار الاطفال والتي جاء في مقدمتها الظروف المعيشية للطفل، فالعديد من الاطفال يلجأون للانتحار نتيجة تعرضهم للمعاملة القاسية داخل المنزل. ويقول مجدي، ان هذه الحالات لم يتم رصدها فقط في المنازل انما ايضا في دور الرعاية والمدارس والتي شهدت حالات من التعدي على الاطفال واستخدام وسائل تعذيب متعددة في المدارس والمؤسسات التربوية او الملاجئ. ووصلت حالات الاستغلال الجنسي للأطفال إلى 231 طفلا في عام 2014. وحدثت هذه الانتهاكات في كل أماكن تواجد الأطفال، سواء داخل المؤسسة التعليمية أو داخل الأسرة أو في دور الأيتام أو تشكيلات عصابية لاستغلالهم فى التسول. وتقول المحامية داليا صلاح ان التعرض للاغتصاب الجنسي او العنف الجنسي يشكل سببا مهما لانتحار الاطفال بسبب الحالة النفسية السيئة التي تصاحب الطفل بعدها وهو ما يدفع كثيرين منهم للانتحار. السياسة لها دور سلبي فيما تؤكد رئيس ائتلاف حقوق الطفل، امل جودة، ان حالة الاحتقان السياسي الذي تعاني منه مصر خلال السنوات الاخيرة، اصابت العديد من المواطنين بحالة «اكتئاب» وذلك نتيجة الظروف الاقتصادية والمعيشية والسياسية ايضا وهو ما أثر على الاطفال بشكل كبير. وتضيف: الحالة الاقتصادية ادت الى نزول عدد كبير من الاطفال للعمل بسن مبكرة واصبحوا «اطفالا معيلين» نتيجة غياب رب الاسرة او التفكك الاسري، وهو ما يزيد من حالة الاكتئاب الذي يعاني منه الاطفال ويحرمه من التمتع بالحياة أو أن يكون لديه وقت للترفيه، مما قد يدفعه للتفكير من التخلص من كل هذه الاعباء، ويكون الانتحار أسهل الطرق خاصة اذا تعرض لاي انتهاك جنسي.. ويشير احدث تقارير جهاز التعبئة والاحصاء الحكومي الى ان 53% من الأطفال في الوجه القبلي (صعيد مصر) يعانون من الفقر. الريف الأعلى انتحاراً سجلت المناطق الريفية اعلى معدل للانتحار في مصر، وبلغت نسبة الاطفال المنتحرين بالريف 75% مقابل 25 % في المدن. يؤكد مجدي علي ان هذه النسبة ربما تكون اعلى، ومن الطبيعي ان يتصدر الريف وذلك لانعدام الخدمات الصحية و التعليمية والترفيهية عنه في المدن وايضا لقلة الموارد الاقتصادية وعدم وجود وسائل ترفيه مناسبة وملائمة للأطفال هناك. ووقعت 6 حالات انتحار في كل من القاهرة والدقهلية و5 حالات في كل من بني سويف والبحيرة والجيزة و4 حالات في كل من سوهاجوالمنيا. وفي ابريل الفائت، انتحرت طالبة بالصف الثاني الإعدادي بمحافظة المنيا (جنوب مصر) شنقا داخل غرفتها، بعد مشادة كلامية بينها وبين والدتها بسبب الدراسة. وطبقاً لمحضر الشرطة فان الطالبة قامت بتعليق حبل بأحد العروق الخشبية بغرفتها وانتحرت. اما عن طرق الانتحار فلم تختلف كثيراً وفقا لتقرير المؤسسة فان غالبية الأطفال يقومون باستخدام إيشارب أو حبل وتعليق أنفسهم في السقف من أجل شنق أنفسهم أو استخدام ستارة الحمام أو الغرفة للانتحار. عنف متزايد ضد الاطفال وأعلن خط نجدة الطفل 16000 التابع للمجلس القومي للطفولة والامومة الحكومي ان حالات العنف ضد الأطفال وصلت إلى 4314 بلاغًا خلال العام الماضي. وذكر خط نجدة الأطفال التابع للمجلس، أن العنف البدني كان أكثر أنواع العنف التي تعرض لها الأطفال، بنسبة 66% للذكور، و34% للإناث. واحتل الأطفال من عام ل 6 أعوام المرتبة الأولى في عدد البلاغات، بواقع 2128 بلاغا، وتصدرت محافظاتالقاهرة والإسكندرية والجيزة بلاغات العنف تجاه الأطفال. وتعلقت 17.7% من هذا البلاغات بحوادث تعذيب، و15% حوادث اهمال، وقرابة 9% حوادث قتل، و7.5% حوادث تحرش واغتصاب. أميرة انتحرت بسبب عنف والدها داخل احد المنازل، بمنطقة شبرا الخيمة والتابعة لمحافظة القليوبية، شرق النيل عند رأس الدلتا تجلس أمنية مصطفى –اسم مستعار- 26 عاماً، داخل منزلها ممسكة بصورة صغيرة لطفلتها اميرة والتي تخلصت من حياتها قبل ستة اشهر قبل ان تكمل عامها الحادي عشر. أرجعت امنية اسباب قيام طفلتها بالانتحار الي معاملة والدها القاسية لها، فكان دائما ما يقوم بضربها وبشكل يومي، وعن اسباب قيام والدها بذلك يقول «دائما ما كان يحضر الى المنزل في حالة يرثى لها عقب يوم عمل شاق ليجلس بين اطفاله وبمجرد ان يتم مطالبته بمتطلبات المنزل يصرخ في وفي الاطفال ويقوم بضربهم». وتروي امنية باكية ان ابنتها في اخر الايام كانت تتعامل بعنف معي ومع والدها، وكثيراً ما كانت ترفض الحديث معنا، او الجلوس مع اخوتها، لم اكن اعلم لماذا تتصرف بهذا السلوك العدواني معنا، وكنت اعتقد انها مجرد «شقاوة اطفال». تشير امنية، ان طفلتها والبالغة من العمر احد عشر عاما هي الاكبر من بين اخوتها والذين تتفاوت اعمارهم ما بين العام و7 اعوام، وكانت تلقى القسط الاكبر في الاعتداء من قبل والدها. اما عن كواليس انتحار طفلتها فتقول: في صباح يوم الحادث وعقب عودتها من المدرسة دخلت للنوم كالعادة، وعندما دخلت عليها لإيقاظها لتناول الطعام مع والدها وجدتها شنقت نفسها في المروحة بواسطة «كيس المخدة». ويقول خبراء اجتماعيون ان الأسرة المصرية تفتقر حاليا للأسلوب الامثل للتعامل نفسيا مع الاطفال، حيث إن معظم الأطفال يعانون عدم وجود قواعد سلوكية تحكم تعاملاتهم سواء داخل الأسرة أو في المدرسة. هذه الاجواء غير الصحية تدفع الكثير من الاطفال للانتحار لإنهاء حالة الشقاء والبؤس التي يعانونها بأنفسهم وهو ما يشهد تزايدا مقلقا مؤخرا.