قبل شهر أو شهرين، بحثت في بيانات السلع الأساسية التي يجري شحنها عبر محيطات العالم وتوصلت لاستنتاج مفاده أن كثيرا من المؤشرات توحي بوجود أخبار سيئة تتعلق بالاقتصاد العالمي. وقد اقترح أحد القراء إلقاء نظرة مشابهة على ما يحدث على الطرق السريعة في أمريكا الشمالية، لا سيما فيما يتعلق بالطلب على الشاحنات المستخدمة لنقل البضائع في جميع أنحاء البلاد، وتشير الأرقام إلى أن شركات النقل في أكبر اقتصاد في العالم لا تعج بالتفاؤل تماما إزاء تلك التوقعات. يقول الموقع الإلكتروني (truckinginfo.com): إن شركات تشغيل أساطيل النقل ليست لديها «أية حاجة لقدرة تشغيلية إضافية، وإن السوق ربما لم يصل بعد إلى أدنى المستويات لأنه من المتوقع أن يبقى النشاط بطيئا لدينا خلال موسم الطلبات الصيفي الأبطأ. تراجع الطلب على شاحنات الفئة الثامنة - المركبات التي تتجاوز معدلات وزنها الإجمالي 15 ألف كغم - إلى أدنى مستوى له منذ ست سنوات في شهر نيسان (إبريل)، بعد انخفاضه بنسبة 16% أثناء الشهر وبنسبة 39% في العام الماضي. وقد طلب المشغلون 13500 مركبة جديدة فقط الشهر الماضي، منخفضا عن الذروة التي وصل إليها بما يقارب 46 ألف مركبة في شهر (أكتوبر) من عام 2014م. قال دون آكي، نائب رئيس المركبات التجارية في شركة (إف تي آر أسوشيتس)، وهي شركة مختصة ببحوث وسائل النقل تقوم بجمع البيانات حول الطلبات: إن طلبات الفئة الثامنة هي مرة أخرى دون التوقعات مع استمرار الانخفاض في نشاط الطلبات. بدا الأمر وكأن السوق كانت متجهة صوب تحقيق الاستقرار، لكن هذا الحجم من الطلبات يعد منخفضا بشكل يثير الدهشة. كما أن شركات تشغيل الشاحنات ترى أيضا أن الأرباح من نقل البضائع آخذة في التراجع. في نوفمبر من عام 2014م، كانت تتمتع بارتفاع نسبته 6% تقريبا في الإيرادات لكل ميل تقطعه على أساس سنوي، بحلول شباط فبراير من هذا العام، انخفض هذا إلى أقل من 1 %. إذا استمر هذا الاتجاه، لن يمر وقت طويل حتى يصبح نقل البضائع عبر الطرق السريعة في أمريكا الشمالية أرخص ثمنا مما كان عليه قبل عام. يمكن أن يكون لانخفاض الطلب على النقل بالشاحنات أسباب عدة - حيث انخفضت القيمة الدولارية للصادرات بواسطة الشاحنات إلى كندا بما يقارب 25 % ما بين (أكتوبر) من عام 2014م و(فبراير) من عام 2015م، ويعود ذلك في جزء منه إلى الدولار الكندي الأضعف والاقتصاد الضعيف. لكن شركات تصنيع الشاحنات ليست وحدها هي التي تعرضت لانخفاض في الطلب. يدير جريج بيترسون شركة بحوث تحت لقب (بيت المكائن)، التي تقوم بجمع البيانات من مزادات بيع المعدات الزراعية المستعملة لإعطاء لمحة عن مدى سلامة السوق لاستقبال تلك الآلات الزراعية، انخفضت أسعار المعدات الزراعية المستعملة بمقدار الثلث ما بين الفصل الأول من عام 2013م والفصل الأخير من عام 2015م، وفقا للبيانات التي جمعها مؤشر بيترسون. حدث انتعاش متواضع في الفصل الأول من هذا العام، الأمر الذي لا يزال يبقي الأسعار قريبة من أدنى مستوى لها خلال عقد من الزمن. ويقول بيترسون: إن ذلك الانتعاش هو ربما واحد من أكبر المفاجآت التي رأيتها خلال حياتي التي امتدت 26 عاما في مجال تقييم المعدات الإنشائية والزراعية. كما قال في رسالته الإخبارية: إن الأسعار انخفضت بما يكفي لإغراء المشترين وجذبهم، في حين أن قوائم المخزون أصبحت متضخمة جدا إلى درجة أن البائعين يعقدون مزادات أكثر من قبل. المزارعون يراقبون الوضع عن كثب. أعتقد أنهم أدركوا الوضع: حيث انخفضت أسعار المعدات الحديثة المستعملة إلى مسافة طويلة، وارتفع عدد مزادات الآلات، والتجار يعملون بجد واجتهاد للتخلص من الفائض من المعدات المستعملة، لذلك يجب أن تجمع هذه الأمور معا بعين الاعتبار، وإذا كان بمقدورك الاستفادة من هذه العوامل المتعددة، فأمامك في الوقت الحاضر في عام 2016م فرصة رائعة للتحديث إلى معدات مستعملة كبيرة ذات طراز حديث وتُعرَض بأسعار تجذب الناس. اللعبة الأكبر في الأسواق المالية في الوقت الراهن هي محاولة تحديد ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيدخل زيادات في أسعار الفائدة هذا العام وكم سيكون عددها؟. الخلفية الاقتصادية أكثر غموضا حتى من المعتاد، كما ذكر بالتفصيل زميلي محمد العريان في مقال له نشر يوم الاثنين الماضي. في هذه الأوقات الاقتصادية المضطربة، أجد أنني بدأت أصبح معجبا ببيانات العالم الحقيقي، خلافا لتوقعات النمو أو التضخم أو أية مقاييس أخرى متعلقة بالإنتاج والنشاط، وهي مقاييس تبدو أقل موثوقية من حيث كونها دليلا على المستقبل. وعلى هذا الأساس، سوف يبدو رفع تكاليف الاقتراض في أكبر اقتصاد في العالم على أنه خطأ في السياسة النقدية ينبغي على الاحتياطي الفيدرالي أن يتجنبه.